مرت ثلاثة أيام على اتخاذ الاتحاد اللبناني قراراً هاماً بإعادة مباريات إياب بطولة الدرجة الثانية لكرة القدم نتيجة التلاعب الحاصل في عدد كبير من المباريات، وفق ما أشارت إليه نتائج عمل لجنة التحقيق الاتحادية. قرار لطالما انتظره كثيرون في ظل روائح التلاعب التي كانت تفوح من البطولات، والتي كانت تمر مرور الكرام، رغم الضجيج الإعلامي الذي كان يرافقها بحجة «وين الدليل؟». عبارات كانت أشبه بنكتة سمجة أو «قميص عثمان»، في ظل ما كان يحدث في الملاعب من تركيبات واتفاقات في الغرف المظلمة، حتى جاءت اللحظة التي اتخذ فيها الاتحاد قراراً قد لا يكون قانونياً، لكنه مطلوب في ظل ما حصل في بعض المباريات. ووجدت اللجنة العليا نفسها أمام عدة خيارات، منها إلغاء البطولة، أو شطب ما يقارب الـ 12 نادياً أو إعادة مرحلة الإياب كفرصة أخيرة قبل الانتقال الى مرحلة الشطب.
وعليه، فإن القرار الاتحادي جاء ليؤسس لمرحلة جديدة تتطلب التعاون من الجميع للحد من التلاعب، أو حينها سيكون هناك شعور بأن من يعارض الخطوة يتحرك انطلاقاً من مصالح شخصية قائمة على هذه المعادلة السيئة، حتى لو كان ذلك بحجة تطبيق القانون.
وكان دويّ القرار كبيراً الى حد ذهاب البعض في تشبيهه بما حصل عام 2001، وقد يكون التشبيه صحيحاً، لكن تداعيات القرارين لا يمكن أن تتشابه. وقد سقط الاتحاد حين توحدت السياسة مع المال والإعلام، وكانت هناك أندية وشخصيات قادرة على قلب الطاولة، أما اليوم فالوضع مغايراً كلياً. فأندية الدرجة الثانية غير قادرة على تأمين تكاليف شهر إضافي من المباريات، فكيف تستطيع إسقاط اتحاد كرة القدم؟ أضف الى ذلك، أنه حينها لم يكن هناك «منتخب ولا من يحزنون»، وبالتالي كانت الأجواء الكروية «نقار ونقير، وناس مع وناس ضد». لكن اليوم، هناك منتخب لبنان بإنجازه التاريخي والمتوقع أن يستمر الى الدور النهائي من التصفيات، وبالتالي فإن هذا الإنجاز قادر على حماية أي اتحاد، ولن يكون بمقدور أحد المساهمة في إيجاد «خضّة» كروية تضر بمصلحة المنتخب في الفترة المقبلة.
واللافت هو التضامن الاتحادي حول القرار مع كل ما يمثله الأعضاء من جهات سياسية، الى درجة أن قرار إعادة الإياب كاد أن يكون بالإجماع لولا انسحاب عضو الاتحاد جورج شاهين.
هذا الأمر يبدو أن أندية الدرجة الثانية تفهمه جيداً وعبّرت عنه في البيان الذي صدر بعد اجتماعها، أول من أمس، وتشديد صاحب الدعوة، رئيس نادي الخيول، ميثم قماطي، على أن الأندية لا تريد مواجهة مع الاتحاد أو رئيسه هاشم حيدر، بل تريد تطبيق القانون حتى لو كان يعني ذلك إسقاط 12 نادياً الى الدرجة الثالثة.
وبغضّ النظر عن طبيعة الاجتماع ووجود الصالح والطالح في مكان واحد، والمشهد المسيء حين تشاهد بعض الأندية تطالب بتطبيق القانون، متمسكة بالشفافية، في حين أن الجميع يعلم أنها «عاملة السبعة وذمتها» في بعض المباريات، إلا أن اجتماع الأندية قادر على التأسيس لمرحلة جديدة يتم فيها حل الموضوع بالحوار وبعيداً عن تصعيد الأندية والتهديد بالانسحاب من جهة، أو على الوقوف على كلمة في البيان من قبل مراجع اتحادية من جهة أخرى.
فقرار بهذا الحجم لا بد أن يظلم فرقاً معينة، وهو أمر مسلّم به اتحادياً، لكن هذا لا يعني قبول مبدأ «ظلم في السوية ...» أو مبدأ «حاكمك ظالمك». فإذا أخذنا الخيول على سبيل المثال، فهذا هو الموسم الثاني الذي يُظلم فيه بعدما فقد فرصة الصعود الى الدرجة الأولى الموسم الماضي بالسيناريو المعلوم في لقائه مع الأهلي صيدا. وبالتالي، فإن ما يقوم به يأتي انطلاقاً من حجم الظلم الذي لحق به، وهو بكل بساطة يطلب إنصافه بأي طريقة كانت. إذ ليس بإمكان إدارة النادي أن تقنع مدربها محمد الدقة بأن ما قام به في مرحلة الإياب من انتشال الفريق من الهبوط الى دخول مربع الصعود قد ضاع بسبب قرار اتحادي، مهما كان هدفه نبيلاً.
لكن في الوقت عينه، لا يمكن الخيولَ أن يرفض الظلم ويقبل بأن ينزل على نادي الشباب الغازية الذي حُرم من دخول مربع الصعود بسيناريو مفضوح ومضحك و«على عينك يا تاجر». فكما أن الخيول ظُلم، فإن الغازية ظُلم أيضاً ومن حقه أن يطالب بالإنصاف.
وعليه، فإن الأمور لا يمكن أن تُحلّ بالتعنت، فالأندية لن تحل الأزمة بالتهديد بالانسحاب، لأن الاتحاد مستعد لإسقاط كل النوادي الى الدرجة الثانية في حال انسحابها، وليس فقط سبعة أندية لوّحت بذلك مع إمكانية تراجع العدد نتيجة ضغوط شتى.
وكذلك لا يمكن الاتحاد أن يقبل بأن يُظلم طرف معين لأي سبب كان، في وقت هو يقوم بكل ما يلزم إدارياً لإبعاد أي ظلم عن منتخب لبنان عبر تحصينه في وجه أي محاولة لحرمانه من التأهل لمصلحة جهات أخرى. ففي حال حصول ذلك وحُرم لبنان، ألن يكون هذا ظلماً؟
فإذا كان اتحاد اللعبة، وتحديداً رئيسه هاشم حيدر، يقبل بالظلامة أن تقع على منتخب لبنان، حينه يمكن أن يقبل أن تُظلم أندية حتى لو كانت في الدرجة الثانية.
وبالتالي، فإن تأجيل انطلاق الإياب قد يكون حلاً مناسباً إفساحاً في المجال أمام الحوار والحديث الهادئ، حتى لو أدى ذلك الى التراجع أو تعديل قرار اتخذته اللجنة العليا. فحتى لو كان القرار صحيحاً، إلا أن هذا لا يعني عدم البحث عن حلول أخرى لإعطاء كل ذي حق حقه.