في الوقت الذي كانت فيه عدسات الكاميرات تتسابق لالتقاط صور الأرجنتيني ليونيل ميسي، وهو يحمل الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، واقفاً الى جانب المغنّية الكولومبية شاكيرا، في مدينة زيوريخ السويسرية، كان ثمة لاعب في قارة أميركا الجنوبية، وتحديداً في البرازيل، ينتظر الفاكس الذي سيصل فيه ردّ نادي غنك البلجيكي على عرض وكيل أعماله للعب في صفوفه. هو لاعب كان حديث العالم كله في حقبة من تاريخ كرة القدم، وتحديداً منذ منتصف التسعينيات حتى منتصف الألفيّة الجديدة، كما يفعل ميسي حالياً.
هو لاعب كان مجرد لفظ اسمه كفيلاً بأن يرعب أكبر حراس المرمى في العالم. يكفي أن تسألوا عن هذا الأمر «الوحش» الألماني أوليفر كان عما حدث معه في المباراة النهائية لمونديال 2002. وقتها، سطّر كان إنجازات خارقة بتصدياته الخيالية، فأوصل بلاده الى النهائي التاريخي أمام البرازيل، بيد أن تسديدة عادية من ذاك اللاعب أربكت كان وأرعبته وكانت كافية لتدمير حلمه في اعتلاء منصة التتويج. كان «الوحش» قادراً لحظتها على التقاط الكرة لسهولتها، بيد أن القدم التي أطلقتها كانت تشغل باله وتخيفه، فأسقطته بالضربة القاضية. أحسّ كان وقتها بالشعور الذي تُذيقه تسديدات ميسي ومراوغته لحراس اليوم.
هو اللاعب الذي كان وجوده يُدخل الطمأنينة الى قلوب زملائه قبل عشاقه، كما حال ميسي حالياً. يكفي أن تسألوا عن ذلك رونالدو في 2002 أيضاً. وقتها، كانت تمريرات ذاك اللاعب سبباً في إدخال «إل فينومينو» التاريخ كأفضل هداف في المونديال بأهدافه الثمانية، بينها الهدف الشهير من متابعة لتسديدة ذاك اللاعب السالفة الذكر.
هو اللاعب الذي قاد برشلونة الى لقب الدوري الإسباني في عامي 1998 و1999، وطبع بأهدافه الخيالية وبتمريراته السحرية تلك الحقبة من تاريخ النادي الكاتالوني بطابعه، تماماً كما يفعل ميسي في الوقت الحالي.
هو اللاعب الذي كان موجوداً في عام 1999 في قاعة المؤتمرات في زيوريخ لتسلم جائزة أفضل لاعب في العالم، كما حصل مع ميسي قبل ثلاثة أيام وفي العامين الماضيين.
... هذا هو باختصار نجم البرازيل، ريفالدو.
يوم الاثنين، كان العالم بأسره لا يتسع لابتسامة ميسي، لكن هذا العالم أبرق لريفالدو لحظتها بأنه لم يعد مرغوباً فيه. أوكل العالم لنادي غنك أن يبلغ الرسالة لريفالدو عبر وسائل الإعلام: «بطل العالم 2002 مع البرازيل لا يهمّ غنك». انتهى البيان ووصلت الرسالة. أحد أضعف الفرق في أوروبا لا يتّسع للاعب بحجم ريفالدو وتاريخه. رسالة نزلت كالصاعقة، لا شك، على عشاق هذا النجم.
ربما مرّ البعض مرور الكرام على هذا الخبر، أو قد يكون بعضهم الآخر قد ضحك لحظة سماعه: إذ كيف لناد أن يضمّ لاعباً يبلغ الـ 39 من عمره؟ وهل فقد ريفالدو صوابه برغبته في مواصلة اللعب وهو في هذه السن؟ تساءل هؤلاء. قد يبدو أنهم محقّون في رأيهم، لكن في حال أن هذا اللاعب ليس ريفالدو. نعم، من يعشق الفن الجميل في كرة القدم بإمكانه أن يتفهم هذا النجم. فريفالدو لا يبحث عن مجد ضائع هنا، أو ثروة هناك يزيد عليها دولارات إضافية الى رصيده. ريفالدو فقط يعشق الكرة ويريد أن يعطيها حتى الرمق الأخير. ينشد الرجل أن يستمتع بالكرة ويمتّع عشاق الساحرة المستديرة. نعم، ريفالدو لا يزال قادراً على فعل ذلك، إذ يكفي فقط تذكّر هدفه الرائع في مرمى فيغويرينسي في الدوري البرازيلي، قبل أربعة أشهر، عندما كان في صفوف ساو باولو. يومها تراقص ريفالدو بالحارس ولعب الكرة «لوب» من فوقه. وقتها تناقلت المواقع الإلكترونية هذه اللقطة وأشادت بصانعها. حينها كان ريفالدو «أسطورة حية». أما بعد أربعة أشهر، وبعد بيان غنك، أصبح الرجل منبوذاً وعرضة لسخرية أقلام بعض الكتاب!
نسي هؤلاء في لحظة أن نوعية لاعبين كريفالدو لا يمكن أن تموت موهبتها إلا مع اعتزالها. نسي هؤلاء، على سبيل المثال، ما فعله الكاميروني روجيه ميلا في الأربعين من عمره في مونديال 1990 في إيطاليا.
طبعاً، ليست المناسبة هنا الدعوة الى عودة ريفالدو الى منتخب بلاده على الإطلاق، بل الى الاستدلال بالوقائع على أن السنّ المتقدمة لا تقف حائلاً دون توقف إبداعات عباقرة الكرة (دون المقارنة طبعاً بين ريفالدو وميلا). المناسبة هنا هي لإطلاق الأمنيات بأن يتبدل واقع كرة القدم الذي يفتح أبوابه على مصاريعها لبعض النجوم بسبب قدرتهم على درّ الدولارات. وما يحصل مع الإنكليزي ديفيد بيكام حالياً، رغم بلوغه الـ 36 من العمر، علماً بأنه لم يمتلك يوماً ربع موهبة ريفالدو، خير دليل على ذلك، إلا أن «نقطة ضعف» البرازيلي أنه لم يُوهب وسامة الإنكليزي!



نقطة مشتركة

كما حال ريفالدو، فإن نجمين مخضرمين من جيله باتا غير مرحّب بهما في نادييهما، ونعني هنا الألماني ميكايل بالاك، لاعب باير ليفركوزن، والإيطالي أليساندرو دل بييرو، لاعب يوفنتوس. لكن ما يختلف به هذان النجمان مع ريفالدو ويتفقان فيه مع بيكام هو أنهما لا يزالان مطلوبين في أوروبا وخارجها، لتمتّعهما ببعض مزايا الإنكليزي.