لم يغب روبرتو باجيو عن الذاكرة. السحرة لا يغيبون عنها، يحفرون عميقاً فيها، يستوطنون قعرها. أيعقل أن يغيب روبرتو عن البال؟ كيف لعاشق كرة القدم أن ينسى سَحَرة على شاكلة هذا الايطالي؟ لا يفرق ان كنت عاشقاً لكرة ايطاليا أو لا، كنت يوماً مع ميلان وكان باجيو مع إنتر أو يوفنتوس أو العكس بين هذه الفرق الثلاث العظيمة في كرة أوروبا، أن لا تحب هذا الساحر الذي قيل يوماً عنه أن كما للأرجنتين ساحرها، وهو دييغو أرماندو مارادونا، فإن لايطاليا ساحرها وهو باجيو.
سحر روبرتو مجبول بنفس جبلة سحر دييغو وقس على ذلك أيضاً سحر البرازيليين بيليه وروماريو والفرنسيين ميشال بلاتيني وزين الدين زيدان والهولندي يوهان كرويف، اوَليس اسم باجيو من ورد بين هذه الاسماء في عام 2002 في استفتاء من «الفيفا» شمل 1,5 مليون شخص حول العالم لاختيار أفضل تشكيلة في تاريخ كأس العالم؟ أوليس هو من زرع سحراً قل نظيره في ملاعب ايطاليا واوروبا ومونديالات 1990 و94 و98؟ اوليس سحره من أخذ شهرة في التسعينيات جابت العالم بأسره ولم تشهد لها الكرة مثيلاً بعد مارادونا حتى تردد وقتها ان بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني مازحه ذات يوم قائلاً له: «أنت أعظم خصومي» في اشارة الى شعبية باجيو الجارفة على امتداد الكرة الارضية؟ هو من تغنى بسحره عظماء في كرة القدم. يكفي ان مدرب بايرن ميونيخ الألماني الحالي، الاسباني جوسيب غوارديولا، قال عنه: «إنه أعظم من لعبت معهم في حياتي (في بريشيا)»، فيما قال عنه النجم الايطالي الحالي المخضرم أليساندرو دل بييرو: «أبكي عندما أشاهد روبرتو باجيو». لكن أكثر التعليقات المؤثرة التي قيلت في باجيو تعود لمشجع برازيلي عقب تتويج بلاده بلقب مونديال 1994 على حساب ايطاليا بعد ان أهدر باجيو ركلة الترجيح الأخيرة بتسديدته الشهيرة، مردداً: «لقد كانت فرحتي عارمة بسبب تتويج البرازيل باللقب الرابع، لكني لم اكن أريد ان يكون باجيو السبب». يا لها من كلمات نطقها برازيلي في ذروة احتفالاته وفي وقت كان منتخب بلاده يعج بالنجوم وفي مقدمهم روماريو، وهي تختصر كم كان وقع سحر باجيو كبيراً على العالم بأسره.
السحر ومفرداته وحده من يلتصق بروبرتو باجيو عند ذكر اسمه، وعلى هذا كان العنوان الذي تصدرته صحيفة «لا غازيتا ديللو سبورت»، يوم الجمعة الماضي، حول الاحتمال الجدي والكبير لعودة باجيو الى عالم اللعبة من جديد كمدرب لناديه السابق بولونيا، له مفعول السحر في نفوس كثيرين حول العالم. ان يعود روبرتو الى كرة القدم فهذا حدث ليس بعادي. ورغم ان عشاق هذا الساحر كانوا يتهيأون لمثل هذا النبأ منذ أن بدأ باجيو بتلقي دروس في التدريب، الا ان القلوب خفقت لدى رؤية العنوان على صفحات «لا غازيتا ديللو سبورت».
من الجميل حقاً رؤية باجيو مجدداً في ملاعب كرة القدم بعد ان سبقه الى ذلك نجوم من زمنه إن ايطاليون كروبرتو مانشيني وانطونيو كونتي او من خارجها كمارادونا وغوارديولا والألماني يورغن كلينسمان والهولنديين ماركو فان باستن وفرانك رايكارد ورود غوليت وغيرهم الكثير.
لكن من الأجمل ان تكون عودة باجيو في مثل هذا الوقت في ملاعب ايطاليا تحديداً لما تعانيه من تراجع في شعبيتها بعد التراجع في جمالها وسحرها. ومن غير عودة روبرتو باجيو كفيلة بأن تضخ فيها جرعة هائلة من الجمال والسحر؟
سحر باجيو الذي لا يحدّه مكان (على ما قال عنه النجم الايطالي الحالي المخضرم فرانشيسكو توتي)...
وله وقعه في كل زمان.




على خطى مانشيني وكونتي؟

سبق نجمان ايطاليان من جيل روبرتو باجيو الأخير الى عالم التدريب وقد نجحا في «صناعة اسم» لهما، الاول هو روبرتو مانشيني الذي اشرف على فيورنتينا ولاتسيو وانتر ميلانو ومانشستر سيتي الانكليزي والآن غلطة سراي التركي، وأنطونيو كونتي الذي درب أريزو وباري واتالانتا وسيينا والآن يوفنتوس.