حزينة هي بريمن. كئيبة هي بريمن. عليلة هي بريمن. مجروحة هي بريمن في الصميم. كأن تماثيلها التاريخية تصدح: أين ماضيَّ الجميل؟ أين كبريائيَ الشهيرة؟ أين فرحي، أين أملي، أين حلميَ الكبير؟ كلها راحت، كلها ضاعت، لم يبق إلا البكاء والحنين. وكأن نهر الفيسر (في المدينة) ابتلعها، كأنها اندثرت كلها في ليل شديد السواد، موحش كئيب.
ما أقسى الأيام على بريمن! كم من خصم ذبحها من الوريد إلى الوريد!
شتان ما بين اليوم والأمس، شتان ما بين العز ومجد ذهب أدراج الريح. شتان ما بين مدينة كانت في الريادة وأمست في الحضيض.
هرمت بريمن باكراً، وأضحت كعجوز تبكي على شباب كان زينتها في ملاعب ألمانيا بالأمس القريب. تغربت بريمن عن ماضيها على غفلةٍ، بعد أن خذلها أبناؤها قبل الغريب.
ليلة السبت كانت غير كل الليالي على مدينة بريمن. كيف لا تكون كذلك وفريقها الأشهر، فيردر بريمن، تجرع من الكأس المرة هزيمة قاسية بسبعة أهداف للاشيء أمام الغريم في السنوات الأخيرة، بايرن ميونيخ، في المرحلة الخامسة عشرة من الدوري الألماني؟ صحيح أن البافاري هو الفريق الأقوى في العالم حالياً، وصحيح أن بريمن هو في أسوأ السنوات في تاريخه على الإطلاق حيث يحتل حالياً المركز الرابع عشر في الـ«بوندسليغا»، وهو مهدد فعلياً بالهبوط إلى مصاف أندية الدرجة الثانية، لكن أن يخسر الفريق الأخضر بهذه النتيجة الكارثية، فهذا ما لم يكن حتى أكثر المتشائمين من أنصار فيردر بريمن يتوقعه. فقبل سنوات قليلة ماضية، ومع انكفاء بوروسيا دورتموند وهامبورغ وباير ليفركوزن، كان بريمن هو الند للبافاري، والوحيد من كان يجرؤ على الوقوف بوجهه، إلى حد أنه تمكن من اعتلاء منصة التتويج على حسابه بفارق 6 نقاط، مجرداً إياه من اللقب عام 2004. من هنا، مهما وصلت إليه الحال من سوء لبريمن في هذا الموسم، فإن للمواجهات مع بايرن ميونيخ تحديداً طابعها التنافسي الخاص الذي يتخطى واقع الحال ويفرض معطيات «على الأرض» تقود إلى وقائع مختلفة، أو على الأقل إلى خسارة «محترمة». إلا أن كل هذا لم ينفع، والأقسى أن الخسارة جاءت في قلب بريمن في ملعبها الشهير «فيسر شتاديون». وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على خطورة المرحلة التي يمر بها الفريق الأخضر والتي تستدعي إعلان حالة الطوارئ في المدينة إلى أقصى درجاتها، بغية أن لا تحصل الكارثة في ختام الموسم، وتغدو المدينة بلا فريق لها في دوري النخبة.
في حقيقة الأمر، لا يمكن تحميل اللاعبين المسؤولية كلياً عمّا يحصل، وإن كان على هؤلاء واجب أن يكونوا على قدر القميص الذي يرتدونه لأحد أعرق فرق الـ«بوندسليغا»، الذي ارتداه في الماضي البعيد نجوم كبار في الكرة الألمانية على غرار رودي فولر وكارل – هاينز ريدليه وكلاوس ألوفس وماريو باسلر وماركو بوده، وفي الآونة الأخيرة على غرار ميروسلاف كلوزه وتورستن فرينغز وتيم بوروفسكي وماركو مارين وبير ميرتساكر، والأهم مسعود أوزيل، وما بين هؤلاء وأولئك نجوم أجانب كالبرازيليين جونيور، بايانو، أيلتون، دييغو ونالدو، والفرنسي يوهان ميكو والبيروفي كلاوديو بيتزارو وغيرهم. المسؤولية بدرجة كبيرة تقع على عاتق إدارة الفريق، وتحديداً لاتخاذها القرار «التاريخي» في 15 أيار الماضي بإقالة المدرب الأشهر لبريمن، النمسوي توماس شاف. فكما هو معلوم، هذا الرجل له ما له على الفريق الأخضر، وهو السبب الرئيسي في ما وصل إليه من ريادة في الأعوام الأخيرة، بعد أن بقي على رأس جهازه الفني طوال 14 عاماً، كان ملماً فيها بكل كبيرة وصغيرة في أروقة ملعب «فيسر شتاديون». غير أن الإدارة العتيدة باعت الرجل على حين غفلة لمجرد هبوط مستوى الفريق في الموسم الماضي، وهو أمر كان طبيعياً ومتوقعاً تتحمل الإدارة نفسها مسؤوليته لتفريطها بمواهب الفريق، وكان آخرهم أوزيل وميرتساكر ومارين، وعدم بحثها عن البديل، موكلة المهمة إلى مدرب مغمور هو روبن دات الذي خاض تجربة فاشلة مع باير ليفركوزن، وفور رحيله عنه عاد الأخير إلى المنافسة على اللقب بقوة.
مؤلم حقاً ما يحدث لفريق بعراقة فيردر بريمن حالياً. الكلام لا يجدي نفعاً الآن في بريمن، والبكاء على الأطلال لا يفيد حتماً؛ إذ لا بد من «صدمة إيجابية» تقلب الأمور رأساً على عقب في ملعب «فيسر شتاديون»، وهي تتمثل طبعاً ببيان صادر عن إدارة الفريق، عنوانه: إقالة روبن دوت من تدريب بريمن وتعيين... توماس شاف.



الهجرة مستمرة؟


لعل أحد أهم أسباب تراجع أداء ونتائج فيردر بريمن هو تفريط إدارة النادي بنجوم الفريق وكان آخرهم منذ 2010 النجم مسعود اوزيل ومن بعده بير ميرتساكر فماركو مارين. ويبدو أن الهجرة عن النادي قد تتواصل في الصيف القادم مع الأنباء عن اهتمام ساوثمبتون الانكليزي بأفضل لاعب في بريمن حالياً، آرون هانت.