في 29 حزيران عام 1992 أبصر ديفيد ألابا النور في مدينة فيينا النمسوية لأب نيجيري وأم فيلبينية الأصل. كل شيء كان يشير إلى أن هذا الشاب سيسلك طريق الفن في مستقبله، فالمدينة التي ولد فيها تبدو كمن لو انها رسمت بريشة رسام ماهر، أما العائلة فهي فنية بامتياز: الوالد ليس الا موزعاً موسيقياً اما الشقيقة الوحيدة فهي مغنية. لكن ديفيد سلك درباً مختلفة بالكامل وهي كرة القدم وان كان النمسوي قد تشرب من بيئته جمال الاداء: فبدا حيناً كرسام يرسم اللوحات المدهشة أو كعازف يعزف الألحان البديعة في الميدان، اما الحلم فلا يمكن الا ان يكون قد استلهمه هذا الشاب الطفولي الوجه من ليالي فيينا الساحرة.
مطلع هذا الأسبوع، كان ألابا يخط توقيعه على فصل من فصول هذا الحلم. في مدينة ميونيخ الألمانية، كانت البسمة تملأ ثغر الشاب النمسوي وهو يوقع على عقد جديد مع نادي بايرن ميونيخ يربطه به حتى 2018 براتب سنوي يبلغ 6 ملايين يورو أي حوالي 4 أضعاف الراتب الذي كان ينص عليه عقده الأول مع الفريق عام 2009. فأن يفرض ألابا شروطه المادية على ناد بحجم بايرن، فهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى المكانة التي وصل اليها هذا الشاب القادم إلى ألمانيا من الجارة الصغيرة، وبأن الحلم الذي عبر به ديفيد الحدود الألمانية - النمسوية يسير وفق ما أراده هذا اللاعب.
في حقيقة الأمر، يستحق ألابا كل ما يقدم له حالياً، فما أتحفنا به هذا الشاب في الموسم الماضي وتحديداً في دوري أبطال أوروبا ولا يزال يقدمه هذا الموسم في مركز الظهير الأيسر لبايرن ميونيخ ليس بقليل أو عابر على الاطلاق. فقد أثبت ألابا أنه على قدر المسؤولية التي أناطها به عام 2011 مدرب بايرن ميونيخ السابق، الهولندي لويس فان غال، باللعب في مركز الظهير الأيسر مكان نجم كفيليب لام بعد ان كان مركزه الأصلي في وسط الميدان الدفاعي.
مستوى ألابا راح يتطور رويداً رويداً ويصل إلى ذروته تحت قيادة المدرب القدير يوب هاينكس الذي منحه الثقة المطلقة وهذا ما انعكس تألقاً في الميدان، حيث سار ألابا على خطى لام كظهير يتقن الواجب الدفاعي ويبدع في الشق الهجومي مشكلاً جبهة يسرى تعتبر الأقوى في العالم حالياً مع الفرنسي فرانك ريبيري وهي إحدى نقاط قوة البافاري الأساسية. ما يميز ألابا هو عزيمته الكبيرة وإصراره الدائم على النجاح، وهذا ما تعبر عنه كلمات هاينكس القائل عن لاعبه يوماً «هذا الصغير كشعلة نار. إنه شديد الطموح وهذا ما يدفعني الى فرملته أحياناً».
هذا التألق المنقطع النظير والذي رفع ألابا سريعاً إلى مرتبة النجومية في فريق يزخر بالنجوم بعد أن كان مجرد لاعب عادي عند ارتقائه الى الفريق الاول، جعله تحت مجهر كثير من المدربين في أوروبا. ولا يخفى أن نبأ تمديد عقد ألابا حتى 2018 بقدر ما أفرح البافاريين الذي اطمأنوا الى بقاء هذا «الاكتشاف» في صفوف فريقهم، فإنه في المقابل أحزن كثيرين وفي مقدمهم برشلونة الذي كان يمنّي النفس بالحصول على توقيع هذا النمسوي.
كل هذا حققه ديفيد ألابا وهو لما يتخط بعد الـ 21 من عمره. يبدو أننا أمام حلم لهذا النمسوي لا حدود له.



القياسي في ميونيخ

لم تكن بداية مسيرة ديفيد ألابا مع بايرن ميونيخ عادية على الاطلاق إنما من أوسع الأبواب، فالنمسوي يعد أصغر لاعب ارتدى قميص البافاري في التاريخ في الدوري الألماني (17 عاماً و232 يوماً) وفي كأس ألمانيا (17 عاماً و256 يوماً) وفي دوري أبطال أوروبا (17 عاماً و259 يوماً).