هو هوس قضّ مضجع رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز وجماهير ريال مدريد لأسابيع طويلة. هذا الهوس ربما كان السبب في وصول صفقة الويلزي غاريث بايل الى هذا الرقم المرتفع. صحيح أن اللاعب يعدّ إحدى أبرز المواهب التي وفدت حديثاً الى دائرة النجومية في أوروبا، لكنه لم يصل الى مدريد وهو يحمل تحت إبطه سيرة ذاتية شبيهة بتلك التي حملها أفراد سابقون في «الغالاكتيكوس» الذين صرف بيريز الملايين لاستقدامهم، بدءاً من البرتغالي لويس فيغو (2000) والفرنسي زين الدين زيدان (2001)، مروراً بالبرازيلي رونالدو (2002) والإنكليزي ديفيد بيكام (2003)، وصولاً الى البرتغالي كريستيانو رونالدو (2009).
اللقب المميز الوحيد الذي يحمله الويلزي معه الى «سانتياغو برنابيو» هو اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي الممتاز للموسم الماضي، وهو أمر قد لا يعني الكثير لجماهير ريال مدريد التي لا ينقصها لاعبون يجلبون الألقاب الفردية، بل أولئك الذين يقودون الفريق الى منصات التتويج، وهو أمر لم يعشه بايل مع توتنهام هوتسبر حيث إن أبرز لقطات مسيرته هناك تقتصر على إحرازه أهدافاً جميلة.
لكن طبعاً ما كان يهم إدارة مدريد هو يوم أمس، إذ بدأت الخطوات الأولى لتحصيل ما دفعته على بايل، وذلك عبر تسويقه بأفضل صورة ممكنة، فتمّ تصويره وكأنه ولد ليكون لاعباً مع ريال مدريد، فعُرضت صورة في خلفية المسرح له مرتدياً قميص الريال وهو لا يزال يافعاً. وعموماً قد لا يعلم كثيرون أن تفاصيل التسويق هي التي أخّرت حسم الصفقة، إذ إن إدارة توتنهام أرادت ألا تحسم الأمور حتى آخر يوم من سوق الانتقالات، وذلك لكي لا تخسر أي عقود رعائية محتملة، فصورة الفريق اللندني بوجود بايل هي غيرها صورته من دونه...
وما برز يوم أمس أيضاً مع وصول بايل الى مدريد هما سؤالان كبيران:
1- ما هو المبلغ الفعلي الذي دفعه الريال المتكتم على الصفقة، وهل يستحق الويلزي هذا المبلغ؟
2- أين سيكون مكان بايل في التشكيلة الأساسية للمدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي؟
وبغض النظر عن الرقم الحقيقي، فإن ما تمّ تداوله من أرقام وضع بايل في خانة واحدة مع الأسماء الكبيرة الموجودة في «الليغا»، أمثال زميله رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار الذي يتمتع ربما بمستوى فني أهم، لكنه قَدِم الى «البرسا» بسعر أقل. وهذه المسألة قد لا تكون منطقية أي مساواة بايل مع رونالدو وميسي مثلاً، فالويلزي سجل 21 هدفاً في الموسم الماضي لم تكن كافية ليتأهل فريقه الى دوري أبطال أوروبا، في الوقت الذي سجل فيه ميسي 46 هدفاً، ورونالدو 34 هدفاً (مجموع أهداف الأول 66 والثاني 55 في المسابقات المختلفة).
ويأتي عدم الكشف عن الرقم الرسمي للصفقة لمنع الانتقادات في الداخل الإسباني الذي يرزح تحت وطأة المشاكل الاقتصادية، إضافة الى عدم إزعاج رونالدو الذي لم يهضم فكرة أن ينتزع بايل منه لقب أغلى لاعب في العالم (96 مليون يورو)، وخصوصاً أنه مع تزامن مطالبته بأن يرفع قيمة راتبه السنوي، يأتي الويلزي ليحصل على أجرٍ قدره 10 ملايين يورو سنوياً.
ومهما يكن من أمر، فإن المال لا يعتبر مشكلة لبيريز المتأكد من نجاح صفقته، إن كان من ناحية العائدات التسويقية التي ستفرزها أو من خلال جذبها للإنجازات التي تبدو مطلباً دائماً في النادي الملكي، إذ إن بيريز كان وراء أربع من أغلى خمس صفقات أجريت في تاريخ اللعبة، فوحده السويدي زلاتان ابراهيموفيتش خرق لائحة الخمسة الأوائل بانتقاله الى برشلونة عام 2009 مقابل 71 مليون يورو.
أما الآن، فقد أتى الدور على أنشيلوتي لزرع بايل في المكان المناسب، فاللاعب الذي بدأ مسيرته متألقاً في مركز الظهير الأيسر، يمكنه اللعب على الجناحين وخلف المهاجمين، ولو أن قوته تكمن على الجهة اليسرى حيث يمكنه بسرعته وقوته البدنية إذلال أقوى المدافعين، وهو المركز الذي يتوقّع أن يمنحه إياه أنشيلوتي، رغم أن المنطق يقول بأن رونالدو سيبقى على الميسرة حيث لمع، مقابل شغل بايل للجناح الأيمن، لتصبح الاستراتيجية المعتمدة 4-2-3-1.
الأكيد أن ريال مدريد أصبح أقوى بوصول بايل، والأكيد أن مباراة «إل كلاسيكو» أصبحت منتظرة أكثر من أي وقتٍ مضى بوجود بايل بالقميص الأبيض الى جانب رونالدو، ونيمار بالقميص الأحمر والأزرق الى جانب ميسي.
كثيرون هم الذين خرجوا فائزين جراء هذه الصفقة، وحده الدوري الإنكليزي الممتاز كان خاسراً لنجمٍ آخر قرر الهجرة الى الجنة الملكية التي تغوي أكبر الطوباويين والأكثر ولاء لأنديتهم.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem