يشتمون، يهاجمون، يطعنون ويقتلون بعضهم البعض. لكنهم الآن متّحدون، ويقفون في صفّ واحد ضد ما يعتبرونه ظلماً من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. إنهم مشجعو أبرز ثلاثة فرق في اسطنبول، فكلّ من غلطة سراي وفنربخشه وبشيكطاش يضمّ جناحاً متطرّفاً أو ما يعرف بـ«الألتراس»، الذي ينشغل عادةً في مهاجمة الخصوم أكثر من انشغاله بمجريات المباراة التي يخوضها فريقه على أرض الملعب.

لكن الحكاية تبدو مختلفة الآن، إذ إن جميع «الألتراس» الاسطنبولي في خندقٍ واحد، وهم يصوّبون باتجاه هدفٍ واحد أي أردوغان.
فعلاً، قبل أقل من شهر، وتحديداً في 12 أيار الماضي، كانت كل المؤشرات تدل على أن الوضع أصبح ميؤوساً منه في كرة القدم التركية، وتجاوزات الجماهير تخطت كل الحدود. والدليل على هذا الأمر يأتي من التاريخ المذكور الذي شهد مباراة «دربي» بين غلطة سراي وفنربخشه، حيث فتح مشجعو الأخير صفحة جديدة في مجال العنصرية عبر استقبالهم لاعبي غلطة سراي في ملعب «شوكرو ساراكوغلو» وهم يحملون الموز، في دلالة واضحة على توجيههم الإهانات والهتافات العنصرية باتجاه اللاعبين الأفارقة والسمر الموجودين في الفريق الضيف، وعلى رأسهم النجم العاجي ديدييه دروغبا.
لكن، مخطئ من يعتقد أن المشهد البشع قد توقف عند هذا الحدّ، فمن يتابع المباريات التي تجمع بين طرفين من الأندية الثلاثة الكبيرة في اسطنبول يعلم أن الأمور لا تمر مرور الكرام عادة، وهذا ما يمكن قوله عن اللقاء المذكور بين غلطة سراي وفنربخشه، حيث طُعن أحد مشجعي الأخير حتى الموت من قبل أشخاص يرتدون ألوان الفريق الأول.
ومن يتابع المشاهد التلفزيونية القادمة من تركيا يدرك تماماً أن الوضع أصبح مغايراً تماماً وبسرعة قياسية، وبشكلٍ لم يكن أحد يتوقعه. ومعلوم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» ونظيره الأوروبي «يويفا» سبق أن ذهبا الى إنزال عقوبات بحق المنتخبات والأندية التركية بسبب شغب جماهيرها حتى في المباريات الدولية والقارية. كما كانت هناك تحذيرات من المؤسستين المذكورتين بأن هناك انحرافاً في الوضع الكروي التركي بسبب تنامي آفة العنصرية التي أضيفت الى الشغب الموجود منذ زمنٍ طويل.
وفي الوقت الذي لم تنفع فيه كل هذه التحذيرات والقرارات العقابية، جاءت أفعال أردوغان لتوحد صفوف «الألتراس»، فرمى الجميع بأسلحتهم وتوحدوا حول ساحة تقسيم ينادون باستقالة رئيس الوزراء وينددون بما يسمّونه الفاشية التي يستخدمها.
هناك في شارع تقسيم يسير مشجع غلطة سراي مرتدياً اللونين الأصفر والأحمر، لكنه يرفع عالياً علم بشيكطاش أو فنربخشه، والعكس تماماً. وهؤلاء فتحوا صفحة جديدة من المواجهات مع الشرطة التركية التي يمكن اعتبارها في موقف صعب، فهي كانت تعاني أصلاً لوقف هجوم طرف منهم خلال مباراة ما، لكنها أضحت الآن تتعامل مع قوة ثلاثية تتعاظم يوماً بعد آخر، إذ تشير كل الإحصاءات الى أن أعداد «الألتراس» تتزايد مع انضمام منتسبين جدد إليهم أعلنوا ولاءهم للتطرف الكروي المُسالم الآن من قلب الشوارع التركية.
إذاً 2013 غيره بداية الثمانينيات، حيث انطلقت شرارة العداوة بعد تأسيس بشيكطاش لفرقةٍ رادعة للمشجعين الخصوم. وطبعاً الوضع حالياً يختلف تماماً عن عام 1991 الذي شهد مقتل أحد مشجعي بشيكطاش بعدما رُكل حتى الموت من قبل مشجعين ينتمون الى غلطة سراي.
لقد نسي بشيكطاش أن ساحة تقسيم هي ملكه كما اعتبر دائماً لقرب موقعه منها، فاستقبل القادمين من القسم الآسيوي لاسطنبول أي جماهير فنربخشه، وتلك القادمة من القسم الأوروبي أي مشجعي غلطة سراي، فأقرّوا هدنة يعرف الكل أنها مؤقتة، إذ لا يمكن أبداً إسقاط مسألة الكره الذي تكنّه هذه الفئات المختلفة من المشجعين تجاه بعضها البعض، وهي مسألة ستتجدد بعد فترة، لكن ليس الآن حيث يسير المشجعون المختلفون كروياً في خطٍ واحد بعدما جمعتهم المصيبة الأردوغانية.
فعلاً، لقد نجح رجب طيب أردوغان حيث فشل «الفيفا» و«يويفا» وكل تلك الهيئات الساعية الى السلام الكروي، فوحّد صفوف مشجعي غلطة سراي وفنربخشه وبشيكطاش، فأصبحت الشوارع التركية «آمنة» إذا ما اجتمعوا معاً بعدما كانت التحذيرات تصل الى أعلى مستوياتها عشية كل مباراة «دربي»، والتي صُنّفت على أنها الأخطر في العالم.
«عادةً نحن أعداء، لكننا الآن إخوة». هذا ما يردده أفراد «الألتراس» على مسامع وسائل الإعلام العالمية، انطلاقاً من مقولة «في الاتحاد قوة». هي قوة لا شك في أنها تهزّ أردوغان وتشعره بالسخونة في صيفٍ قد يتحول الى «ربيع تركي».



أبعد من مباراة كرة قدم

«هي أبعد من مباراة كرة قدم. هي مسألة بلاد، ونحن ضد أردوغان». هذه العبارة التي أطلقها أحد المشجعين الأتراك عبر تصريح إعلامي، أصبحت عنواناً للتجييش ضد رجب طيب أردوغان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتحد أيضاً مشجعو غلطة سراي وفنربخشه وبشيكطاش في مجموعاتٍ واحدة بعدما كان لكلٍّ منهم مجموعة خاصة لمهاجمة الطرف الآخر.