«danke يوب» أو «شكراً يوب». «سير أليكس فيرغيسون وبول سكولز أسطورتان. شكراً لكما على كل الذكريات». «بول سكولز يلعب، يدافع، يسجل ويذهب إلى المنزل». «كاراغر أسطورة». «بيكام أرجوك ابقَ سنة إضافية». هذا كان الحال في المدرجات في ختام بطولات ألمانيا وإنكلترا وفرنسا.
تنحّت الاحتفالات بتتويج بايرن ميونيخ ومانشستر يونايتد وباريس سان جيرمان بألقاب الدوري جانباً، وتصدر يوب هاينكس مدرب النادي البافاري، والاسكوتلندي أليكس فيرغيسون وبول سكولز مدرب ولاعب «الشياطين الحمر»، وجيمي كاراغر لاعب الـ«ريدز»، ومايكل أوين لاعب ستوك سيتي، وديفيد بيكام لاعب نادي العاصمة الفرنسية، المشهد. ليس بقليل كم اللحظات المؤثرة والمعبرة في نهاية هذا الموسم في هذه البطولات. هكذا، دفعة واحدة، رحل هؤلاء (باستثناء ربما هاينكس، لكنه سيرحل حتماً في نهاية هذا الموسم عن بايرن ميونيخ). بين الدموع والابتسامات استسلم هؤلاء العمالقة لسطوة العمر.
في انكلترا، كان المشهد الأكثر تأثيراً بانتهاء حقبة أربعة رموز في عالم كرة القدم الأحد.
في ملعب «ذا هاوثورنس» في وست بروميتش، انحنى كل من كان موجوداً لفيرغيسون. صفقوا له طويلاً وهو بدوره بادلهم التحية. حُكي الكثير عن «فيرغي» عند إعلانه نهاية مسيرته مع الساحرة المستديرة، هو الذي لا يمكن اختصار مسيرته بكتب ومجلدات، لكن ما لم يُحكَ هو تواضع هذا الرجل رغم إمبراطوريته التي صنعها في عالم اللعبة، وكان آخر فصوله في هذا المجال طلبه من لاعبيه الأحد أن لا يدعوه من الآن فصاعداً بالـ«مدرب» او «الرئيس»، بل باسمه.
في المباراة الأخيرة لمانشستر أيضاً، وقف بول سكولز وحيا الجماهير التي ردت بالتصفيق. هذه الأخيرة التي لن ترى هذا النجم مجدداً بقميص «الشياطين الحمر»، لكنها لن تنسى إبداعاته ومهاراته في الميدان. لن تنسى كلمة النجم الفرنسي السابق زين الدين زيدان فيه: «إنه أحد اللاعبين الكاملين الذين يصعب أن نجد مثيل لهم. أحد الأشياء التي اندم عليها هو أنني لم ألعب معه في نفس الفريق».
في ليفربول كان المشهد أيضاً معبّراً. ملعب الـ«آنفيلد» أحسن توديع مدافع الفريق جيمي كاراغر، حيث رسمت الجماهير لوحة ضخمة اختصرت فيها اسم اللاعب ومدة مسيرته مع الـ«ريدز» منذ كان ناشئاً، وهي 23 سنة، فضلاً عن تكريمه من فريقه على أرض الملعب.
وبين وست بروميتش وليفربول، كان نجم آخر يودع عالم اللعبة نهائياً في مدينة ساوثمبتون، هو مهاجم ستوك سيتي مايكل أوين، نجم ليفربول ومانشستر يونايتد وريال مدريد الاسباني السابق.
في ألمانيا، كان المشهد مؤثراً للغاية: هاينكس يجهش بالبكاء أمام عدسات المصورين خلال المؤتمر الصحافي الأخير له مع بايرن ميونيخ في الدوري الألماني. لم يتمالك المدرب العجوز مشاعره، وكيف له أن يفعل ذلك، بعد أن قدم موسماً غير عادي على الإطلاق مع النادي البافاري. يكفي هاينكس فخراً أنه فعل ببرشلونة الاسباني في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ما لم يجرؤ أحد على فعله بليونيل ميسي ورفاقه. الوداع في بافاريا لم يكن عادياً لهذا الرجل الذي لن تنساه ميونيخ طويلاً.
في فرنسا، وتحديداً في باريس، لم يبتسم ديفيد بيكام على غير عادته يوم السبت الماضي. بيكام كان يجيد الابتسامات. كانت تليق به. عرف بيكام كيف يصنع من تلك الابتسامة «ماركة مسجلة» غزت العالم من أقصاه الى أقصاه. أتقن بيكام الابتسامة: عند تسجيله الأهداف وعند رفعه الكؤوس. عند توقيعه عقداً مع هذا النادي وذاك، وعند ظهوره في إعلان هنا أو في مقابلة تلفزيونية هناك، وبالتأكيد عندما يظهر بصحبة زوجته فيكتوريا.
لكن السبت لم يستطع بيكام رسم تلك البسمة على محياه. منذ انطلاق مباراة فريقه باريس سان جيرمان أمام بريست في المرحلة قبل الأخيرة من الدوري الفرنسي، بدا بيكام في غير حال. كان كمن يجهد لتمالك قواه بانتظار اللحظة المرتقبة. لحظة توديعه كرة القدم نهائياً. عبثاً حاول بيكام الحفاظ على رباطة جأشه في الدقائق الأخيرة. لم يقوَ على ذلك. خانته العبرات بينما كان يركض أمتاره الأخيرة على أرض الملعب. لا شك، كان شريط مسيرة «السبايس بوي» في الملاعب طوال 21 عاماً يمر بطيئاً في مخيلة هذا النجم الكبير ويزيد من ثقل خطاه في الميدان في تلك اللحظات. بالتأكيد، تذكر انطلاقته في عالم هذه اللعبة. تذكر تاريخ 8 آب عام 1996، ذلك اليوم الذي ولدت فيه قدمه اليمنى الذهبية التي كانت السبب الأول في شهرته في الملاعب قبل وجهه الإعلاني وكاريزمته، عندما سدد كرة من منتصف الملعب سكنت شباك فريق ويمبلدون تحت انظار المدرب التاريخي فيرغيسون والنجم الفرنسي الكبير إيريك كانتونا.
تذكر تاريخ 30 حزيران هام 1998، ذلك اليوم الذي تلقى فيه بطاقة حمراء شهيرة في مباراة انكلترا والارجنتين في ربع نهائي كأس العالم في فرنسا بعد ركله دييغو سيميوني. تذكر تاريخ 26 أيار عام 1999، يوم رفع أول القابه في دوري أبطال أوروبا بعد الليلة التاريخية لمانشستر يونايتد أمام بايرن ميونيخ في ملعب «كامب نو». تذكر تاريخ 6 تشرين الأول عام 2001، يوم انبرى بروعة لركلة حرة في الدقيقة الأخيرة أمام اليونان ليؤهل منتخب بلاده الى كأس العالم 2002. تذكر بيكام في تلك الأثناء كل هذه المحطات بينما كان يتجه للحظته الأخيرة في الملاعب. وها هي الدقيقة 82 قد أتت. الحكم أشار بيده الى إجراء التبديل. حان وقت الرحيل. الزمن توقف في باريس والعالم شاهد اللقطة الحدث: بيكام يبكي بشدة وهو يغادر الميدان. يا لها من لحظات!
هؤلاء العمالقة رحلوا عن عالم الكرة إذاً. ستكون الصورة لا شك ناقصة من دونهم. سيكون الفراغ كبيراً من بعدهم، لكن ما يعوّض هو ما تركه هؤلاء من إرث لن يمحى. هاينكس، فيرغيسون، سكولز، كاراغر، أوين، بيكام... شكراً لكم على كل الذكريات التي صنعتموها.