شتان ما بين الأمس واليوم بالنسبة الى البرازيلي ليوناردو في فرنسا. بالأمس (البعيد)، وتحديداً عام 1996، عرف الفرنسيون ليوناردو ذلك الشاب الخجول والمنضبط داخل الملعب وخارجه عندما قدم الى العاصمة باريس ليلعب مع فريقها الأول سان جيرمان، حيث خاض معه موسماً كاملاً ترك خلاله انطباعاً جيداً عن شخصيته قبل أدائه لدى الفرنسيين عموماً والباريسيين خصوصاً.
في تموز عام 2011، عاد ليوناردو مرة جديدة الى باريس. عاد البرازيلي هذه المرة ببزة رسمية وربطة عنق كمدير رياضي لسان جيرمان. لكن ليوناردو تغير، لم يعد كما كان قبل 15 عاماً. المظهر وحده لم يتبدل، بل الشخصية أيضاً. الشاب الخجول أصبح مشاكساً ولا يهدأ. الشاب المنضبط أصبح مشاغباً ولا ينتهي من المشكلات: مرة مع الحكام وأخرى مع الصحافة وأوساط كرة القدم الفرنسية. بات ليوناردو عنصر استفزاز للفرنسيين، ومصدراً لتعكير مزاجهم.
الأحد الماضي شهد آخر فصول مشاغبات ليوناردو وقلة احترامه للفرنسيين ولعالم الكرة. هكذا، لم يعجب بطل العالم عام 1994 مع منتخب البرازيل قيام حكم مباراة فريقه أمام فالنسيان بطرد مواطنه تياغو سيلفا، فاتخذ قراره بالاقتصاص منه. ليوناردو لم يكتف بالتلاسن مع الحكم كما دأب مع غيره طيلة هذا الموسم، بل دفعه بكتفه على نحو مقصود خلال توجههما في النفق الى غرف تبديل الملابس في ملعب «بارك دي برانس». المثير للدهشة ان ليوناردو لم يعترف بفعلته رغم المشاهد التي بثتها محطة «كانال بلوس» للواقعة، والتي لا تحتمل الالتباس بأن البرازيلي دفع الحكم، مشيراً إلى أن أحد المارين تعثر به ودفعه باتجاه الأخير.
من يتابع الكرة الفرنسية هذا الموسم لن يفاجأ بما أقدم عليه ليوناردو، حيث إنه أظهر في الكثير من المحطات هذا الموسم شخصيته المتعالية، التي لا تحترم القريب قبل الخصم، ومنها على سبيل المثال عندما صرح بعد الخسارة أمام ريمس في الدوري الفرنسي: «هذا الفريق (سان جيرمان) بني للعب في أوروبا وليس ضد الفرق الفرنسية»، وعندما رحب بقدوم النجم الإنكليزي ديفيد بيكام على طريقته بقوله: «لقد تعاقدنا معه من أجل الصور والمؤتمرات الصحافية وبيع القمصان»، وعندما أبدى انزعاجه من الملعب الخاص بفريقه «بارك دي برانس»، الذي يمثل ركناً مهماً من تاريخ سان جيرمان، قائلاً: «في باريس نحن نلعب في ملعب قديم وغير ملائم».
هذا غيض من فيض ما ظهر عليه ليوناردو في هذا الموسم. وهنا يمكن التوقف عند سببين يقفان وراء التبدل الذي طرأ على البرازيلي، بعدما كان يلقى احتراماً كبيراً من متابعي كرة القدم.
السبب الأول هو محاولة ليوناردو جذب الأنظار اليه كمدير فريق ناجح وقوي، وذلك بعدما فشل في ذلك كمدرب مع ميلان وانتر ميلانو الايطاليين، حيث أشرف على كل منهما لمدة موسم واحد ولم يحقق سوى لقب واحد هو كأس ايطاليا مع الثاني.
السبب الثاني، والأهم، هو موقع القوة الذي وجد فيه ليوناردو نفسه عند انتقاله الى سان جيرمان، في ظل وصول القطريين الى العاصمة الفرنسية، حيث يحاول البرازيلي بشتى الطرق ابراز مقدراته وكفاءته امام مالك النادي، ناصر الخليفي، حيث لا يفارقه أينما تنقل وهو يعد بمثابة «اليد اليمنى» له، وذلك بعدما فشل في التقرب من سيلفيو برلوسكوني في ميلان، حيث لم يتوان الأخير عن القول في احدى المرات: «كل شيء لا يشبه ليوناردو لا يروقه».
اذاً، النفوذ الكبير والسلطة التي وجدها ليوناردو في ظل الادارة القطرية لسان جيرمان، حيث بات «الآمر الناهي» في باريس، والقادر على التعاقد مع أي نجم في العالم، وإبعاد أي لاعب عن نادي العاصمة الفرنسية، عكسا التبدل في شخصية البرازيلي. تلك الشخصية الطامحة نحو العودة الى الأضواء، والمفتونة بالسلطة والاموال، وخير دليل على ذلك تركه منصبه كمدرب في ناد كبير كإنتر ميلانو والانتقال الى سان جيرمان كمدير رياضي، لا لسبب، سوى لهثاً وراء اموال القطريين.
كثيرون لم يصدقوا ليوناردو بعد قدومه الى باريس ووقوعه أسيراً (بإرادته) في شباك القطريين، عندما صرّح لصحيفة «لا ريبوبليكا» الايطالية: «لقد تغيرت. كسرت صورتي الهادئة. لست خائفاً من أن أغضب. كرة القدم ليست مكاناً للطوباوية والمثالية وأنا لست مرشحاً لجائزة نوبل للسلام»، لكن الرجل عكس هذا الامر سريعاً، وهو ماض، للأسف، في فقدان الكثير من رصيده في عالم الكرة.