"ربّ ضارةٍ نافعة". هذه هي العبارة الأصح التي كان بالإمكان قولها بعد مباراة مانشستر يونايتد الإنكليزي وميدتيلاند النروجي في مسابقة "يوروبا ليغ" لكرة القدم. في تلك الأمسية، كان من المفترض أن يبدأ "الشياطين الحمر" مباراتهم معتمدين على رأس الحربة الفرنسي أنطوني مارسيال الذي دفع فيه النادي مبلغاً قياسياً من أجل أن ينتشله في المناسبات الكبيرة والظروف الصعبة. والحاجة إلى مارسيال كانت كبيرة في تلك المباراة، لأن يونايتد كان قد خسر ذهاباً، لكن حسابات المدرب الهولندي لويس فان غال تعقّدت بعد شعور اللاعب بآلام خلال فترة التحمية، ما اضطره إلى إشراك اسم مجهول حتى بالنسبة إلى مشجعي يونايتد، هو ماركوس راشفورد.
ومما لا شك فيه، أن فان غال، ولو أنه مهووس بمنح الفرص للاعبين الصغار، لم يكن ليدفع براشفورد أساسياً في مباراة أوروبية، وهو الذي سبق أن وضع اللاعب في تشكيلتيه أمام واتفورد وليستر سيتي من دون أن يشركه. كذلك، كان فان غال يعلم أنه لو خسر المباراة ستفتح أبواب الجحيم عليه، وتنشط الصحف في التحليل والإشارة إلى أنه أشرك لاعباً مغموراً، فكان السبب في المصير المأسوي.
في صغره سجل راشفورد 10 أهداف في أول 12 دقيقة من إحدى المباريات

المهم أن راشفورد لعب وقدّم أكثر مما كان منتظراً منه بتوقيعه على هدفين ألهبا جمهور "مسرح الأحلام"، الذي بدأ يحلم بطبيعة الحال بولادة نجم محلي جديد يقود الهجوم مستقبلاً خلفاً لواين روني بعدما تبخرت هذه الأحلام برحيل داني ويلبيك إلى أرسنال.
لكن أمس، وأمام أرسنال وويلبيك، كان راشفورد حاضراً في التشكيلة الأساسية، إذ لم يجد فان غال الذريعة المثالية لترجمة أفكاره الجريئة رغم تخبطه الكبير هذا الموسم، فأشرك راشفورد أساسياً مجدداً، ليترجم أحلام جمهور "أولد ترافورد" بنحو خيالي، مسجلاً هدفين جديدين، وليعلن نفسه أنه الشيء الكبير القادم في كرة الإنكليز، وكل ما فعله الخميس الماضي لم يكن مجرد صدفة.
والأكيد أن ما ظهر عليه راشفورد حتى الآن يعكس قناعة بأنه لاعب موهوب، فالصورة الأولى التي يكوّنها المرء عنه عند رؤية هدفيه في مرمى ميدتيلاند، هي أنه لاعب يجيد التمركز ولديه حساسية رهيبة، بحيث يعرف مكان سقوط الكرة من تمريرة عرضية أو خط التمرير الخفيّ الذي ستمرّ من خلاله الكرة إليه. ومع ما ظهر عليه أمس أيضاً، طفا السؤال عن هوية هذا اللاعب الذي شقّ طريقه بسرعة إلى الأضواء، ليتبيّن أن النجومية كانت متوقعة له، فهو منذ بدايته في سنّ الخامسة مع فريق فلتشر موس رينجرز في مدينة مانشستر حيث ولد وترعرع، بدا أنه مختلف عن أبناء جيله، إذ يقول مدربه السابق مارك غاينورد إنه في إحدى المرات سجل 10 أهداف في أول 12 دقيقة من المباراة، ليشرع بعدها في تمرير الكرات الحاسمة إلى زملائه بعدما أُصيب بالملل من هزّ الشباك.
العبارة الأخيرة ربما كانت كافية لوصف راشفورد بأنه أكثر من مجرد مهاجم يلعب في أكثر من مركز (الجناحان ورأس الحربة وخلف المهاجم)، فهو يملك روحاً قيادية جعلت مدرب فريق الشباب نيكي بات يمنحه شارة القيادة في دوري أبطال أوروبا، فردّ التحية بسرعة مسجلاً هدفين في مرمى كلٍّ من أيندهوفن الهولندي وفولسبورغ الألماني.
وعند ذكر بات، نستنتج أن راشفورد أصاب في اختياره بالذهاب إلى أكاديمية يونايتد بدلاً من الانضمام إلى الغريم مانشستر سيتي، الذي ظلّ يخطب ودّه حتى الصيف الماضي. اليوم هو وكوكبة من اللاعبين الذين تخرجوا من مدرسة النادي مثل جيسي لينغارد وتايلر بلاكيت وكاميرون بورثويك - جاكسون وجو رايلي، ومجموعة العشرة التي سجلت بدايتها مع فان غال، يمكن أن تكون الضمانة المستقبلية لنادٍ عاد إلى ثقافته بالاعتماد على متخرجي مدرسته، إذ حتى في حال رحيل المدرب الهولندي سيمنح وجود غيغز وبات ضمانة أكبر، ربما لتكرار صورة تلك "الزمرة" التي كانوا في أساسها بعدما خرّجها "السير" اليكس فيرغيسون في أوائل التسعينيات لتحمل يونايتد إلى أحلى أيام مجده.