دييغو أرماندو مارادونا في نابولي. حدث ليس بقليل على الاطلاق. حدث يتخطى مجرد عودة نجم الى المدينة التي شهدت أجمل فترات مسيرته الذهبية، هنا، في حالة مارادونا ونابولي، يصح القول ان المسافر عاد الى موطنه. ان العاشق عاد لمعشوقته. في حالة مارادونا ونابولي، يصبح المشهد «نوستالجياً» الى أبعد الحدود. كبر مارادونا وازداد الشيب في شعره، أما نابولي فتبدلت معالمها عما كانت عليه في الثمانينيات، غير أن العلاقة الدافئة والحميمة بين دييغو والمدينة الجنوبية ظلت هي هي. علاقة لا يمكن وصفها بكلمات. يكفي فقط التوقف عند الاستقبال الجنوني لأبناء نابولي لنجمهم الخالد لفهم بعض من معانيها. لا يمكن تخيل كيف كان المشهد عند دخول هذا الأرجنتيني الى الفندق، وأكثر عند انتظاره من قبل أنصار نابولي لكي يطل عليهم من شرفة غرفته كما في الأيام الخوالي عندما كان يخرج للاحتفال معهم بالانتصارات.
بمجرد أن أطل دييغو ساد هرج ومرج في صفوف عشاقه الذين راحوا يهتفون «مارادونا مارادونا»، فيما دييغو راح يقفز من مكانه ويردد عبارات واشارات لا يفهم كنهها الا هو وهؤلاء الذين زحفوا، بشيبهم وشبابهم، لاستقباله.
كم كان المشهد مذهلاً بالفعل في نابولي في هذين اليومين، او بالأحرى كم هي مدهشة هذه الكرة. بالأمس كان مارادونا الشاب بشعره الأجعد الكثيف يزرع الفرح في ملعب «سان باولو» في كل عطلة نهاية أسبوع في ايطاليا. صورته الشهيرة عندما كان يدخل الى ذلك الملعب وهو يحمل شعار نابولي بيده ومن ثم يبدأ بالإحماء على وقع هتافات جماهير نابولي باسمه لا تزال ماثلة في الأذهان وحاضرة في القلوب، او عندما يخلع قميصه منطلقاً نحو المدرجات لتحية الجماهير. حينها، عندما كان مارادونا يزرع سحراً في ملاعب إيطاليا قل نظيره، رغم وجود كوكبة من عمالقة اللعبة في «السيري أ» على غرار الفرنسي ميشال بلاتيني في يوفنتوس والثلاثي الهولندي ماركو فان باستن ورود غوليت وفرانك رايكارد في ميلان والثلاثي الألماني لوثر ماتيوس ويورغن كلينسمان وأندرياس بريمه في إنتر ميلانو.
اما اليوم، فها هو ذلك الشاب يعود «كهلاً» الى نابولي، الى المدينة التي عشقها، التي أصبح جزءاً مهماً من تاريخها وذاكرتها. يمشي مختالاً في شوارعها ويزرع الفرح مجدداً في وجوه أبنائها. وجوه بعضها لم يكن قد أبصر النور بعد عندما كان مارادونا نجماً يفوق الخيال في المدينة الجنوبية في الثمانينيات. هذه الوجوه التي تربت في حضن مدينتها على حب دييغو وشربت من فنه وسحره وأُطلق على كثير منها اسم «مارادونا» كما ساد في المدينة عند التتويج بلقب «السيري أ» الاول عام 1987. جاءوا الآن وجهاً لوجه لرؤية هذا النجم الذي، لا شك، يشعرون كل يوم بوجوده بينهم، هذا على الأقل ما تعكسه جدران مدينتهم التي تحمل صوره وشوارعها ومطاعمها وحتى أكلاتها المفضلة التي تحمل اسمه. حان الموعد الآن لهؤلاء لكي يردوا التحية، بعد آبائهم، لهذا الساحر الذي جعل مدينتهم تزهو بالفرح والفخر بفريقها الأزرق ذات حقبة مجيدة من تاريخ كرة القدم الايطالية.
«يمكنني ان اخبركم انني اشعر من جديد بهواء نابولي يسري في عروقي». جملة قالها مارادونا لحظة أن حطت قدماه بعد غياب طويل أرض نابولي. جملة تختصر حكاية دييغو مع هذه المدينة. هي حكاية عشق متبادل بين نجم وساحر وملهم ورمز أزلي ومدينة، لولاه، ما كانت لتبتسم.