اشتهر الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، تاريخياً، بنجاح اللاعبين من دول الجوار الأوروبي فيه، وتحديداً من فرنسا التي شهدت ملاعب الإنكليز، ولا تزال، نجاحات لا تعد ولا تحصى لهم، حيث تطول لائحة هؤلاء ويمكن لإعطاء فكرة عنهم، اختصارها على سبيل المثال بالنجم المعتزل قبل أيام معدودة تييري هنري وروبير بيريس وباتريك فييرا وطبعاً وقبل كل هؤلاء، «أسطورة» مانشستر يونايتد إيريك كانتونا، وكذا من هولندا كما الحال مثلاً مع دينيس بيرغكامب ورود غوليت ومارك أوفرمارس ورود فان نيستلروي وأريين روبن وروبن فان بيرسي حالياً، ومع ايطاليا كما الحال مثلاً مع جيانفرانكو زولا وجيانلوكا فيالي وروبرتو دي ماتيو، وألمانيا مع يورغن كلينسمان وكارل - هاينز ريدله وديتمار هامان وكريستيان تزيغه وميكايل بالاك وحالياً مسعود اوزيل وأندريه شورله ولوكاس بودولسكي على سبيل المثال، فضلاً عن لاعبين من دول أوروبية أخرى يندرج ضمنهم طبعاً البرتغالي كريستيانو رونالدو.
واذا ما وسعنا الدائرة أكثر خارج أوروبا، فإن اللاعبين من قارة أفريقيا سجلوا، ولا يزالون، نجاحات باهرة على امتداد إنكلترا، كالعاجي ديدييه دروغبا ومواطنه يايا توريه والنيجيري نوانكو كانو والتوغولي إيمانويل أديبايور. العامل الجغرافي وطبيعة الدوري الإنكليزي الذي يعتمد على الاندفاع البدني القوي ساهما، بالدرجة الاولى، في نجاح لاعبي الجوار واللاعبين الأفارقة في بلاد بوبي تشارلتون وديفيد بيكام.
وحدهم لاعبو أميركا الجنوبية ظلوا، تاريخياً، على علاقة غير وديّة مع كرة إنكلترا، وقلة هم الذين مروا فيها وتركوا بصمة، أو بالأدق سحراً كما عادة لاعبي هذه القارة، وحتى إن هؤلاء (القلّة) كانوا غالباً يشغلون مراكز في خط الدفاع تحديداً، وبدرجة أقل في الوسط. في المقابل، فإن ملاعب إيطاليا واسبانيا كانت مرتعاً للاعبين البرازيليين والأرجنتينيين والأوروغويانيين والتشيليين وغيرهم الذين صالوا وجالوا فيها مخلّفين سحراً لا يُنسى، من «الظاهرة» رونالدو إلى روماريو وريفالدو ورونالدينيو ودييغو أرماندو مارادونا وغابريال باتيستوتا وهرنان كريسبو وألفارو ريكوبا وإيفان زامورانو ومارتشيلو سالاس وغيرهم الكثير الكثير.
أبرز نجوم الأندية
الكبرى وهدّافيها هم من أميركا الجنوبية

لكن في السنوات الأربع الأخيرة تبدلت الصورة كثيراً في إنكلترا مع لاعبي أميركا الجنوبية، وبالأخص في هذا الموسم، إن على صعيد الكمية تحديداً في الوسط والهجوم، أو الإنتاجية. فإذا ما أخذنا مثلاً الأندية الكبرى في «البريميير ليغ» حالياً يمكن بوضوح ملاحظة كثرة هؤلاء فيها، ويكفي اختصارهم بالأرجنتيني سيرجيو أغويرو في مانشستر سيتي، ومواطنه انخل دي ماريا والكولومبي راداميل فالكاو في جاره يونايتد، والتشيلياني ألكسيس سانشيز في أرسنال، والبرازيليين أوسكار وراميريش وويليان وفيليبي لويس في تشلسي ومواطنهم فيليبي كوتينيو في ليفربول الذي فقد في الصيف الأوروغوياني لويس سواريز بعدما سجل نجاحاً باهراً في صفوفه، والأرجنتيني إيريك لاميلا في توتنهام. أما على صعيد الإنتاجية فيمكن القول إن كل هذه الأسماء تبدو من الأبرز في البطولة الإنكليزية باستثناء ربما فالكاو الذي لم يأخذ بعد فرصته مع يونايتد.
ولاختصار المشهد يكفي القول إن أغويرو يتصدر لائحة الهدافين، ويأتي سانشيز ثالثاً، بينما صاحب المركز الثاني هو أميركي جنوبي بحت ألا وهو البرازيلي الأصلي دييغو كوستا، الذي حصل هذا العام على الجنسية الاسبانية واختار تمثيل منتخبها، في حين ان أبرز الهدافين الذين مرّوا على تاريخ الدوري الإنكليزي كانوا من أبنائه أو أوروبيين، وهذا ما توقف عنده الفرنسي أرسين فينغر، مدرب أرسنال، قبل مدة، معتبراً أن «المهاجمين الأوروبيين أصبحوا أقل اندفاعاً وإقداماً في الأداء».
وأكثر من ذلك، فإن اللافت في الاعوام الأخيرة هو كثرة اللاعبين البرازيليين في الـ»بريميير ليغ»، حتى إن عدداً كبيراً من نجوم «السيليساو» الحالي يلعبون في البطولة الإنكليزية، وهذا ما هو مستغرب، نظراً إلى إحجام البرازيليين تحديداً عن ملاعب إنكلترا تاريخياً.
إذاً، تغيُّر جذري في الكرة الإنكليزية التي باتت اللغتان الاسبانية والبرتغالية (المنتشرتان في أميركا الجنوبية) تترددان بكثرة في ملاعبها. وهنا، يمكن إحالة هذا الامر الى نقطتين مهمتين، وهما الضعف الذي أصاب الدوري الإيطالي الذي كان أرضاً خصبة لهؤلاء وتحوّل الدوري الاسباني ليصبح ثلاثياً فقط بين ريال مدريد وجاره أتلتيكو وبرشلونة بعد تراجع فرق مثل فالنسيا وفياريال وديبورتيفو لاكورونيا تحديداً، وكذلك للسيولة المالية الكبيرة في الاندية الإنكليزية.
على أي الأحوال يبدو المتابع هو الأكثر استفادة من هذا المشهد الجديد في إنكلترا، والذي زاد، بالطبع، من جمالية الدوري الاول في العالم عبر السحر الذي يزرعه أينما حلّ أولئك اللاعبون القادمون من خلف المحيط، من ريو دي جانيرو وبوينوس أيريس ومونتيفيديو وسانتياغو وبوغوتا.