لم يشتهر الإسباني جوسيب غوارديولا بخططه التدريبية الرائدة، التي غيّرت شكل الكرة في برشلونة سابقاً ومع بايرن ميونيخ الألماني حالياً فحسب، بل كانت أيضا للرجل بصمته على العديد من اللاعبين في «البرسا» الذين اكتشفهم في مدرسة «لا ماسيا» الغنية بالمواهب ومنحهم الفرصة وأوصلهم إلى أعلى المراتب في عالم اللعبة.
في بايرن، أحدث «بيب»، لا شك، ثورة خططية في الفريق تبدو معالمها شديدة الوضوح، وهي في تطور مستمر، لكن الانتظار ظل قائماً ليقدم الاسباني «اكتشافاته» في الأرض الألمانية. الأسماء التي انتقاها غوارديولا منذ مجيئه إلى بايرن كانت معروفة، حتى ان خوان بيرنات الذي أثبت كفاءة عالية، وتمكن من حجز مقعد أساسي في الفريق، تعاقد معه غوارديولا من فالنسيا في بلاده التي يحفظها عن ظهر قلب.
هذا الموسم، وتحديداً في الفترة الأخيرة، يبدو أن بيب نجح في أن يكون عند حسن ظن الألمان عموماً، والبافاريين خصوصاً، باكتشافه وجهاً جديداً في «البوندسليغا». وجه كان إبرام التعاقد معه في شهر نيسان الماضي من أينتراخت فرانكفورت مفاجئاً للكثيرين لعدم شهرته، وإذا بغوارديولا يقدّمه على «طبق من ذهب» لبايرن والكرة الألمانية كموهبة يتوقع لها مستقبل باهر... ألا وهو سيباستيان روده.
لم يخيّب روده
ظنّ غوارديولا الذي ضمّه من فرانكفورت ومنحه الفرصة

المتابع للمباريات الأخيرة لبايرن، وتحديداً منذ إصابة النمسوي ديفيد ألابا وفيليب لام، لاحظ مدى الاهتمام الكبير الذي يوليه بيب لروده، حيث أتاح له الفرصة للمشاركة على نحو أكثر في التشكيلة، وصولاً إلى أن أصبح اللاعب أساسياً في المباراتين الأخيرتين أمام سسكا موسكو الروسي في ختام دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، وفي الجولة الأخيرة من «البوندسليغا» أمام أوغسبورغ.
روده تمكن في خلال هذه الفترة القياسية من أن يدخل قلوب البافاريين، مقدماً صورة للاعب الألماني المقاتل والقوي والنشيط الذي لا يكلّ ولا يتعب من الحركة في وسط الملعب، لكن أيضاً «المُطعَّم» بنفحة غوارديولا من خلال لمسته للكرة وفكره التكتيكي وأدواره المختلفة داخل الميدان، بحيث لا يكتفي بالشق الدفاعي فقط، بل له أدواره الهجومية التي تباغت الخصوم، والتي تمكن من خلالها من تسجيل هدفين حتى الآن، أولهما أمام هوفنهايم وثانيهما أمام سسكا موسكو، فضلاً عن مساهمته بهدفي الهولندي أريين روبن في المباراة الأخيرة أمام أوغسبورغ.
ولعل المباراة أمام باير ليفركوزن في ملعب «أليانز أرينا» قبل مرحلتين تحديداً، أعطت فكرة واضحة عن قدرات هذا اللاعب، اذ من تابع هذا اللقاء توقّف عند الفرق الكبير الذي أحدثه نزول روده في الشوط الثاني، حيث قلب الأمور رأساً على عقب، بعدما كان الضيوف الأكثر سيطرة وخطورة في الشوط الأول، إذ غّير اللاعب البالغ 24 عاماً من شكل البافاري، وأعاد له إحكام السيطرة تماماً على وسط الملعب، ما قاد إلى هدف الفوز الذي سجّله الفرنسي فرانك ريبيري من ركنية تسبب بها روده نفسه.
وبطبيعة الحال، فأن يتمكن روده من أن يشارك أساسياً في المباراتين الأخيرتين لبايرن، الذي يعجّ بكوكبة من النجوم، وأن يلعب إلى جانب إسمين كبيرين كالاسباني تشابي ألونسو وباستيان شفاينشتايغر، فهذا تأكيد على ما يختزنه هذا اللاعب من موهبة، وهذا انتصار بالدرجة الأولى لغوارديولا، الذي لم يخب رهانه على لاعبه، ولم يخيّب ظن البافاريين بالصفقة «المجهولة» التي أبرمها أواخر الموسم الماضي.
وبالتأكيد فإن عودة نجوم خط الوسط الكثر من الإصابة بعد العطلة الشتوية، لا تلغي أن بايرن ميونيخ كسب «ورقة رابحة» على مقعد البدلاء، فضلاً عن أن هذا اللاعب يُعد مكسباً كبيراً للمستقبل مع تقدم ألونسو في السن، وبدء البحث عن خليفة لشفاينشتايغر.
قلنا شفاينشتايغر؟ من يشاهد روده لا يمكن إلا أن يرى فيه الكثير من «شفايني». هذا الأخير، بالمناسبة، مرر فور دخوله في المباراة امام هوفنهايم بعد الغياب الطويل بسبب الإصابة كرة الهدف الاول لروده بقميص البافاري. كأن الصورة هنا تعبّر عن نفسها: السلف يسلّم المشعل للخلف.