أبشع مشهد على الإطلاق كان حاضراً في بلغراد في أمسية اللقاء بين صربيا والبانيا. البشاعة تكمن في تعطيل الحساسيات السياسية مباراة كرة قدم في اوروبا في عصرٍ سقطت فيه كل الحدود الجغرافية بين بلدان «القارة العجوز». طبعاً، هذا الامر قد يبدو طبيعياً في أحد بلدان العالم الثالث أو في قارةٍ أخرى، لكن لا في أوروبا. والتصويب هنا على نقطة مهمة أن العديد من البلدان الاوروبية عاشت مشاكل سياسية، بعضها تخطاها والبعض الآخر لا يزال يتخبط فيها حتى الآن.
لكن الاخطر في كل ما حصل هو ان المشاكل الحديثة التي نشبت بين دولٍ تملك تاريخاً في ما بينها من هذا النوع، قد تطل برأسها في لقاءات اخرى. فصربيا مثلاً قد تصطدم بمونتينغرو التي كانت يوماً جزءاً منها، أو ربما مع دخول كوسوفو الى كنف الاتحاد الاوروبي لكرة القدم ستكون الامور أسوأ بكثير، وخصوصاً ان الجمهورية المذكورة اعتبرت دائماً إقليماً تابعاً لصربيا التي رفضت استقلالها عام 2008.
احتمالية أخرى شبيهة جداً وأكثر واقعية، لأنه بكل بساطة أصبح جبل طارق في «يويفا»، وبالتالي فإن لقاءً محتملاً مع اسبانيا التي قاتلت لإبقائه خارج العائلة الكروية الاوروبية على خلفيات سياسية، قد يؤدي الى نزاعٍ رهيب على المستطيل الاخضر، ناهيك في حال استقل احد الاقليمين، اي كاتالونيا والباسك في مرحلة لاحقة. ومثل هذه الحالات قد تظهر في اي لقاء لأرمينيا مع آذربيجان، إذ إن البلدين عملياً لا يزالان في حالة حرب بسبب صراعهما على ناغورنو - كاراباخ. وماذا عن لقاء بين روسيا وجورجيا؟ أو إذا طرحنا احتمالاً أسوأ يتمثل بمواجهة روسية - اوكرانية على أرض ايٍّ منهما وسط النزاع الحاصل حالياً؟
على كل حال، دائماً ستكون مباراة صربيا والبانيا خطراً رغم أن دماء الشعبين مختلطة؛ فالنزعة الوطنية الثورية لا تسقط من شعبيهما، والعنف يأخذ مجراه أحياناً بشكلٍ يومي في شوارع عاصمتيهما وحتى على الحدود، حيث قُتل الشهر الماضي أحد الحراس الصرب.
ترقّب وسؤال
حول ما يمكن أن يحصل في حال لعبت روسيا مع أوكرانيا



والمتابعون لتاريخ البلدين وتلك البقعة الجغرافية تحديداً يعرفون أن النزاع هناك امتد منذ عصور، لذا لم يكن مستغرباً ألا تشذ مباراة المنتخبين الصربي والالباني عن القاعدة، فتوقفت قبل نهاية الشوط الاول بعدما حلقت طائرة صغيرة يتحكّم فيها أحدهم عن بعد وهي تحمل العلم الالباني وعليه خارطة «البانيا الكبرى»، وهو مشروع قومي يهدف الى جمع الجاليات الالبانية لألبانيا وكوسوفو ومونتينيغرو ومقدونيا واليونان وجنوب صربيا في دولة واحدة.
إسقاط أحد اللاعبين الصرب للعلم كان كافياً لإشعال شرارة العراك الذي شارك فيه مشجعون أيضاً في مشهدٍ صادم، لكنه ليس غريباً عن شعبي البلدين المذكورين أو لاعبيهما الذين من دون شك وفي كل مرة سيلتقون فيها في ملعبٍ آخر لن يهضموا رؤية بعضهم بعضاً، وهو أمر يفترض أن يتنبّه اليه «يويفا» في كل بطولات الفئات العمرية الخاصة بالمنتخبات أو تلك الخاصة بالأندية.
المشكلة في ذاك الجزء من العالم هم «الهوليغانز الوطنيون»، وهم فئة مختلفة عن «الهوليغانز» الموجودين في ملاعب المانيا أو انكلترا على سبيل المثال، إذ إن هؤلاء أصحاب نزعة مختلفة تماماً، وهي تتمحور حول تصفية الحسابات السياسية - العسكرية مع البلدان الاخرى في ملاعب كرة القدم. وهذه المسألة كانت ملموسة في الاعوام الاخيرة في صربيا وكرواتيا، حيث لا يمانع أي طرف من هؤلاء «الهوليغانز» في تجديد الحرب عبر إشعالها بالاعتداء على خصومهم في المدرجات أو على رجال الشرطة والمارة في الشوراع. والصور التي قدمت من بلغراد تؤكد أن المتطرفين ينتظرون هذه المناسبات التي يشاهدها الملايين حول العالم، إذ إن الصرب كانوا قد ذهبوا الى حرق علم «الناتو» قبل بداية اللقاء حتى، لكون حلف شمال الاطلسي كان قد شرّع شنّ هجمات جوية على صربيا لمدة تقارب ثلاثة أشهر عام 1999 في خضم النزاع الذي كان حاصلاً مع كوسوفو حيث الالبان.
الى اين ستذهب الامور في الكرة الاوروبية التي تُصبغ سياسياً يوماً بعد آخر؟ سؤال لا يملك إجابته سوى «يويفا» المطالب بوقفة جريئة قبل فوات الأوان، حيث سيكون أكثر القرارات منطقية بحق أي بلدٍ يقحم السياسة في الملاعب الخضراء هو الطرد الأبدي.




الأزمة الى ملعب السياسة

من ملعب الكرة الى ملعب السياسة خرجت مباراة صربيا وضيفتها ألبانيا سريعاً، فالأحداث التي رافقتها تسببت في توتر الأجواء وتدهور العلاقات بين البلدين، اضافة الى دخول وسائل الاعلام على الخط مؤججة النار.
وكتبت صحيفة «فيسيرني نوفوستي» الصربية الواسعة الانتشار: «متشددو ألبانيا يعربدون في بلغراد. أولسي راما (شقيق رئيس الوزراء الألباني) يتسبب في فوضى في الاستاد». ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الصربي إيفيكا داسيتش قوله إن هذا الأمر «كان مخططاً له قبل المباراة».
وسريعاً ردّ رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، على «تويتر»، مشيراً إلى أن صربيا «أرسلت صورة قبيحة إلى العالم».
من جهتهما، دان رئيسا الاتحادين الدولي والاوروبي لكرة القدم، السويسري جوزف بلاتر والفرنسي ميشال بلاتيني، ما حصل في المباراة.