بطبيعة الحال، يبدو من غير المعقول أن يستحوذ فريق غير ليستر سيتي على الأضواء في مباريات عطلة الأسبوع. إذ إن ما صنعه هذا الفريق بالفوز على مانشستر سيتي، مطارده على الصدارة في عقر داره ملعب "الاتحاد" 3-1، يبدو غير عابر على الإطلاق، ويستدعي التوقف عنده طويلاً.
في حقيقة الأمر، إن التوقف عند ليستر يعود حتى إلى الجولة السابقة قبل مباراة سيتي بالفوز على ليفربول 2-0، إذ إن ما بعد هاتين الموقعتين ليس كما قبلهما، بحيث إن مصطلحات كثيرة تبدلت مع هذين الفوزين الأكثر من مهمين، واللذين وضعا "الثعالب" (لقب الفريق) في الصدارة بعد انتهاء الجولة الخامسة والعشرين بفارق خمس نقاط عن توتنهام وأرسنال وست عن مانشستر سيتي.
حقق "الثعالب" الفوز على ليفربول ومانشستر سيتي في عقر داره على التوالي

فبالعودة إلى ما قبل هاتين المباراتين، كان الجميع يتفق على أن ليستر هو مفاجأة الدوري الإنكليزي الممتاز هذا الموسم، وأنه "الحصان الأسود" للبطولة، وأنه يستحق الثناء على الكرة التي يقدمها بوجود لاعبين أمثال جايمي فاردي والجزائري رياض محرز. لكن الأغلبية، حتى لا نقول الجميع، كانت لا تجرؤ على القول إن هذا الفريق مرشح لتحقيق لقب البطولة، وكانت الشكوك لا تزال تساور الأغلبية، حتى لا نقول الجميع مجدداً، رغم تصدر ليستر الترتيب العام، وكان قولهم: "صحيح أن ليستر متصدر، لكنها مسألة وقت ليتراجع"، فيما جاهر آخرون بعدم ثقتهم بهذا الفريق، مثل النجم الإنكليزي السابق وهداف مونديال 1986 في المكسيك، غاري لينيكر، الذي قال بالحرف الواحد إنه سيقدم الحلقة الأولى من برنامجه "مباراة اليوم" على محطة "بي بي سي" في الموسم المقبل من دون ثياب إذا حقق ليستر لقب "البريميير ليغ".
لكن بعد الفوزين على ليفربول ومانشستر سيتي، فرك كثيرون عيونهم جيداً ليتأكدوا أن ما يشاهدونه أمامهم ليس حلماً، وأن ليستر بالفعل مرشح جدي للقب، ويمكنه أن يذهب بعيداً في نهاية هذا الموسم. كثيرون الآن باتوا يصدقون ما قاله "السير" الإسكوتلندي أليكس فيرغيسون المدرب التاريخي لمانشستر يونايتد قبل فترة: "في هذا الوقت، ليستر هو الفريق الأفضل في البطولة". كثيرون الآن باتوا يوافقون الفرنسي أرسين فينغر، مدرب أرسنال، الرأي باعتباره أمس أن ليستر يقدم نموذجاً للجدّ بعيداً عن الأموال.
لكن ما السبب في أن ليستر وصل إلى هذه المرحلة التي لم يكن أشد المتفائلين يتوقعها؟
ليس خافياً هنا أن نقطة قوة ليستر بقيادة المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري تكمن في أنه يلعب الكرة كمجموعة بقلب واحد، وهذا ما يميزها عن البقية، فضلاً عن وجود لاعبين مؤثرين وموهوبين في صفوفه مثل فاردي ومحرز. لكن مواصلة التقدم مردها إلى الثقة التي راكمها الفريق في الجولات السابقة، وهذا ما أوصله لأن يسقط ليفربول ومانشستر سيتي. هذه الثقة يمكن تلمسها في أداء اللاعبين على أرض الملعب، وكذلك الأمر خارجه، إذ أن يقول رانييري سابقاً إن فريقه "مثل قبو يصارع القصور" وأن يقول الآن: "من المهم أننا أنهينا كانون الثاني في الصدارة، شباط سيكون قاسياً. لكن هذا جيد، نحن جاهزون"، فهذا ينمّ عن اكتساب ثقة كبيرة عكسها رانييري، حتى على أفراده، ومدّهم بها كقوله مثلاً لتحفيز فاردي إنه يشبه النجم الهولندي السابق ماركو فان باستن.
ما هو واضح أن ليستر سيتي انتقل الآن إلى مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن سابقتها، حاملاً معه كمّاً كبيراً من زيادة في الثقة، وتالياً الطموح إلى أن يصل إلى اللقب، وبالتأكيد فإن موقعته القادمة المهمة أمام أرسنال ستوضح الرؤية أكثر لما هو قادم. ما هو متوقع أن يلعب ليستر من الآن وصاعداً كل مباراة بمباراتها باعتبارها نهائياً وتصح فيها كل أنواع القتال والمثابرة بحثاً عن البقاء في القمة حتى نهاية الموسم. لكن على أي الأحوال، إنه موسم بات مؤكداً أن ليستر سيكون فيه الفائز الأكبر، حتى لو لم ينهه متوجاً باللقب. إنه موسم شهد، مع ليستر، ما يصعب أن يتكرر.