يعدّ نادي بنفيكا قطباً رئيسياً في الكرة البرتغالية، لما له من صولات وجولات على منصات الألقاب المحلية، من دون إغفال تتويجه بدوري أبطال أوروبا في عامَي 1961 و1962. عراقة النادي لم تكن علامته الفارقة خلال السنوات الماضية، إذ تميّز «النسور» في حصد عائدات لافتة جرّاء بيع مواهب شابة. العديد من اللاعبين سطعوا مع كبار الأندية الأوروبية، بعد مرورهم بمحطة بنفيكا. المدرسة البرتغالية خرّجت للعالم مواهب ضخمة، على غرار ثلاثي مانشستر سيتي: روبن دياس وإيدرسون وبرناردو سيلفا، مدافع تشيلسي وآرسنال السابق ديفيد لويز، مهاجم ليفربول داروين نونيز، جناح يوفنتوس أنخيل دي ماريا، متوسّط ميدان روما نيمانيا ماتيتش، الحارس العملاق يان أوبلاك حامي عرين أتليتيكو مدريد، مهاجم تشيلسي المعار من أتليتيكو مدريد جواو فيليكس... آخر جواهر النادي البرتغالي تمثّلت بإنزو فيرنانديز، متوسّط الميدان الأرجنتيني الذي حط رحاله في تشيلسي.
أصبح المتوّج بلقب بطولة كأس العالم في قطر أغلى لاعب في تاريخ الدوري الإنكليزي الممتاز، بعد انتقاله إلى «البلوز» مقابل 121 مليون يورو، في عقدٍ لمدة ثمانية أعوام ونصف عام. وكان بنفكيا قد تعاقد مع فرنانديز من ريفر بلايت الأرجنتيني في تموز الماضي، مقابل 10 ملايين يورو فقط (بدون حوافز) في صفقة تمتد حتى عام 2027.
صفقة تدل على مدى حنكة النادي البرتغالي في إبراز مواهبه الشابة والتسويق لها. ويكفي الإشارة إلى تحصيل بنفيكا أكثر من مليار ونصف مليار دولار منذ عام 2000، عبر بيع لاعبين تأسّسوا أو تطوّروا داخل النادي، لمعرفة كيف أن هذا النادي هو مصنع بارز للنجوم.

تميُّز إداري
تاريخياً، كان لاعب إي سي ميلان السابق، البرتغالي روي كوستا، أفضل الأسماء التي تخرجت من بنفيكا. للمفارقة، يشغل كوستا الآن منصب مدير التعاقدات في النادي البرتغالي، وهو معروف بحنكته في المفاوضات. ظهر ذلك جلياً في صفقة إنزو فيرنانديز إلى تشيلسي، ومن قبله داروين نونيز إلى ليفربول. بعد كوستا، بدأت مواهب بنفيكا تبرز أكثر فأكثر، حتى وصلت إلى أوجها عام 2006، عندما تمّ افتتاح «Caixa Futebol Campus»، وهي أكاديميّة كرة قدم أنشأها النّادي لبناء فريق يعتمد بشكل كامل على خرّيجيها، بحسب ما صرّح رئيس النّادي وقتها.
تتميّز الأكاديميّة باستخدام تقنيّات تدريبية مبتكرة للمساعدة في تهيئة البيئة الملائمة لتطوير الشباب. الأكاديميّة التي تضم 15 فريقاً شاباً تتوزع على 9 ملاعب عشبية و172 كشّافاً منتشرين حول العالم، نالت لقب أفضل أكاديميّة في حفل توزيع جوائز «غلوب سوكر» في ثلاث من السنوات الأربع الماضية.
حقّق نادي بنفيكا أرباحاً بقيمة مليار ونصف مليار دولار منذ عام 2000 جرّاء بيع اللاعبين


لا يقتصر «تنقيب» بنفيكا على أكاديميته المتطورة فحسب، بل يعدّ الوكلاء أيضاً جزءاً لا يتجزأ من نموذج أعمال النادي. فعلى نقيض بعض الفرق التي تهدف إلى إبقاء الوكلاء خارج الصورة، يقوم بنفيكا بتعزيز علاقات قوية معهم. وكيل الأعمال البرتغالي خورخي مينديز هو أحد أبرز الأمثلة على ذلك، حيث قام بدور كبير في المفاوضات مع تشيلسي حول انتقال إنزو فيرنانديز، والتي استمرت في اليوم الأخير من سوق الانتقالات الشتوي 12 ساعة متواصلة.
العديد من الوكلاء جنوا الكثير من الملايين بسبب تركيزهم على أكاديميّة بنفيكا، فيما استفاد النادي البرتغالي من تسيير الاستقدامات بصورة أسهل وتحصيل مبالغ طائلة عند البيع. ويؤدي الكشافون دوراً بارزاً في النادي، إذ قامت إدارة بنفيكا ببناء شبكة للعثور على اللاعبين الشباب قبل أي نادٍ آخر، مستفيدةً من قوانين العمل في البرتغال التي تُسهّل حركة الانتقال مقارنةً ببعض البلدان الأخرى. وتمنح الروابط الثقافية للبرتغال بدول أميركا الجنوبية، بما في ذلك البرازيل والأرجنتين، ميزةً عند استقطاب اللاعبين الشباب.
أصبح بنفيكا باختصار في السنوات الماضية منجماً للمواهب الشابة ومحطة عبور نحو أندية النخبة. يعكس ذلك تصريح سابق للرئيس التنفيذي للنادي، دومينغوس أوليفيرا: «إن العثور على أفضل اللاعبين في مرحلة مبكرة هو عملنا الأساسي. نحاول توقع مستقبل اللاعب في المرحلة المبكرة من تطوره، ليس فقط داخلياً مع أكاديميتنا الخاصة، ولكن بالخارج عبر شبكتنا الواسعة من الكشافة».
بالطبع، تتوازى عملية البيع مع استمرار النسق الإيجابي للنتائج والأداء. بعيداً عن المنصات الأوروبية، لم يغب بنفيكا أبداً عن الألقاب المحلية، كما أنه وصل إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي (خرج أمام الوصيف ليفربول) وتصدّر المجموعة التي ضمّت يوفنتوس وباريس سان جيرمان هذا الموسم.
بنفيكا يعوّل على مواهبه من الناحية الفنية لفترةٍ قصيرة قبل الاستفادة مادياً عند مغادرتهم الفريق، وهو ما جعله يصمد منذ بداية القرن الحالي بوجه العديد من الأزمات، آخرها جائحة كورونا.