تنطبق كلمة معسكر بمعناها العسكري على الأيام التسعة التي قضاها لاعبو منتخب لبنان تحت إشراف المدير الفني الوافد حديثاً الكسندر إيليتش، فمنذ اللحظة الأولى لدخول اللاعبين إلى الفندق ومن ثم انخراطهم في أوّل حصةٍ تدريبية، علموا بأن الوضع مختلف تماماً عمّا كان عليه سابقاً. لا مزاح مع إيليتش «ومش فارقة معو حدا» على حدّ قول أحد اللاعبين الذي اعتاد أن يكون أساسياً منذ زمنٍ طويل، وهو يشعر اليوم بأن كل ما فعله سابقاً لا يعني المدرب الذي ينظر إلى ما يقدّمه لاعبوه حالياً من أجل اختيار الأفضل بينهم لتمثيل منتخب «بلاد الأرز» في المواعيد المقبلة، وأهمها طبعاً نهائيات كأس آسيا 2023.
العمل الفني الذي يقوم به إيليتش ينقسم إلى قسمين: الأول خارج الملعب والثاني في داخله (طلال سلمان)

الأجواء قد تبدو غريبة وصعبة بعض الشيء بالنسبة إلى اللاعبين، لكن لا بالنسبة إلى إيليتش الذي اختبر العقلية العربية لا سيما خلال مروره في العراق، فما كان منه أن فرض نظاماً انضباطياً صارماً في ما يخصّ الالتزام بالمواعيد والجديّة في التمارين وحركة اللاعبين داخل الفندق وطوال فترة الإقامة في المعسكر حيث حرّرهم فقط لمدة نصف يوم تقريباً عشية نهاية الأسبوع الماضي.
أجواء ساعده أيضاً على تعزيزها زيارة رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم المهندس هاشم حيدر، الذي أطلق كلاماً صريحاً وواضحاً وصارماً أيضاً خلال اجتماعه المغلق مع اللاعبين، واضعاً إياهم أمام تحمّل مسؤولياتهم، وخصوصاً أن الاتحاد لم يتردّد يوماً في تأمين ما يلزم لتجهيز المنتخب، وخصّ اللاعبين بالمكافآت في المحطات التي حققوا فيها نتائج إيجابية، لا بل يسعى اليوم من خلال تعيين إيليتش إلى نقل «رجال الأرز» إلى مستوى أعلى وأفضل حيث الهدف هو بلوغ الأدوار الإقصائية في كأس آسيا بحسب حيدر.
هدفٌ قد لا يكون بعيد المنال إذا ما تمكن إيليتش من إيجاد مقاربة فنيّة جديدة تُخرج الأفضل من لاعبيه، وتحاكي إمكاناتهم، وتتناغم مع قدراتهم، وذلك من دون اللجوء إلى التفكير بالنتيجة فقط بعيداً من الأداء الذي لم يتطوّر في الفترة الأخيرة من حقبة المدير الفني السابق التشيكي إيفان هاشيك، فكان مبرّراً قرار القيّمين بعدم تمديد الارتباط معه، والذهاب باتجاه المدرسة الصربية.
لا مزاح مع إيليتش «ومش فارقة معو حدا» على حدّ قول أحد اللاعبين الأساسيين دائماً


السيئات والحسنات
العمل الفني الذي يقوم به إيليتش ينقسم إلى قسمين: الأول خارج الملعب، والثاني في داخله.
في القسم الأول، بدا أن المدرب شاهد كل مباريات المنتخب الوطني، وسجّل نقاطاً عدة منها السلبي ومنها الإيجابي، وقد عرضها أمام اللاعبين، إما بشكلٍ منفرد أو من خلال جلسات الفيديو التي جمعتهم معه. الخطوة الأخيرة قد تكون محرجة لبعض نجوم المنتخب، لكن استعراض الأمور السلبية لم يكن مقصوداً بل الهدف تصحيح الأخطاء، والدليل أن حوالى 10 مقاطع فيديو تستعرض الحسنات حضرت أمام اللاعبين في إحدى الحصص التقييميّة، وهي مسألة كفيلة لرفع معنويات المخطئين في جوانب معيّنة على أرضية الميدان، وبالتالي العمل على تفادي أخطائهم مستقبلاً.
طبعاً، سيبني إيليتش خطوته المقبلة على ما اختبره في احتكاكه الأول مع لاعبيه، الذين أقام اجتماعات ثنائية معهم، ومنها سيتكرّر في ما خصّ لاعبين معيّنين يفترض أن يكونوا في جهوزية لتقبل أدوارهم الجديدة، التي قد لا ترضي بعضهم، وهي مسألة طبيعية تكون حاضرة غالباً في كل مرحلة انتقالية.


أسماء «تطير» قريباً؟
وفي موازاة هذا الأمر، أصبح واضحاً بالنسبة إلى إيليتش هوية العناصر التي قد لا تكون متعاونة بنسبة مئة في المئة مستقبلاً، لكنه سيعطيها فرصةً ثانية عبر مصارحتها من خلال جلسات مباشرة، وهي مسألة أساسية تلتقي مع ما يقوم به من تسجيل ملاحظات على أرض الملعب.
في هذا الإطار لم يخفِ الصربي أن هناك إمكانات فنيّة فردية جيّدة موجودة في المنتخب، ولاعبين يملكون نوعية أكثر من جيّدة حتى، لكن عامل الانصهار كمجموعة ضروري من اجل الوصول إلى الهدف المنشود. أما التمارين التي أقامها، فقد التقت مع الواقع الفني للاعبين في ما خصّ الجهوزية البدنية التي يبدو أن بعضهم لم يبلغها مع انطلاق الموسم الجديد بل يحتاج إلى المزيد من الوقت، لذا لم يفرض إيليتش حصصاً قاسية بل حاول استكشاف ما يمكن أن يقدّمه عناصره ضمن المنظومة لكي يرسو لاحقاً على خياراتٍ معيّنة يبني من حولها التشكيلة.
وهذه المسألة ترافقت مع تصوير الحصص التدريبية من أجل تحليل أداء اللاعبين وكشف مدى جديّتهم في التعاطي مع المطلوب منهم، ومدى قدرة اللاعبين صغار السنّ على إحداث تأثيرٍ فعلي دولياً، وخصوصاً أولئك الذين تنقصهم الخبرة على هذا الصعيد، فالتمارين تعطي انطباعاً ملموساً لأي مدرب من أجل التعرّف على ما يمكن أن يقدّمه لاعبوه في المباريات التي قد تشهد لاحقاً مفاجآت في ما خصّ الخيارات، إذ بالنسبة إلى إيليتش لا «فيتو» على أحد لكن لا خطوط حمراء تحيط بأي اسمٍ مهما فعله في الماضي.