في أي مناسبة، وليس في الرياضة أو كرة القدم حصراً، ثمة دائماً من يريد أن يُحمّل الناس، أو عامة الشعب، المسؤولية عن كل خرَاب. «غنم» و«حوَش» ومصطلحات لبنانية باتت مستهلكة. قد يكون هذا الشخص من الشعب أيضاً، لكنه يرى نفسه «أوْعى» و«أفهم»، وقد يكون من السُلطة، أي سُلطة. يُحب التنظير، وهذا مصطلح مُستهلك هو الآخر. في الملاعب اللبنانية، وبعد أي إشكالٍ أو تضارب بين جمهورين، أو بين جمهورٍ وقوى أمنية، يكون الجمهور الملام الأول، لأنه «مش حضاري» (مهما كان تعريف الحضارة عند كثيرين). يُحكى عن الواقعة فقط، عما حدث، من دون العودة إلى الأسباب، ليست تلك التي أدت إلى الإشكال لحظتها، بل التي دفعت الجمهور نحو ارتكاب الفِعل. وهذا الجمهور، وهو من الناس الذين يعيشون كل ما يمر البلد فيه بالمناسبة، مُستفَز أساساً، من كل ما حوله، من دولته وأحزابه والقوى الأمنية والتدخل الأجنبي، والأجنبي نفسه الذي لا يعرفه فقط لأنه يعيش حياة أفضل منه، أو لأنه لا يعرفه. ويأتي من «ينكزه»، في المكان الوحيد الذي يكون قادراً فيه على تفريغ طاقته. في الفضاء، تحت سماء واسعة، عله يُسمع، ويُنتظر منه أن يكون «حضارياً»، وبعد أن يرتكب الفعل الذي دُفع نحوه، يأتي من يُصنّفه، ليشحنه أكثر لحدث مقبل، وهكذا، كرة ثلج، تتدحرج، وتكبر، حتى تفجر.
من أحداث مباراة النجمة والعهد في بحمدون (طلال سلمان)

مثل مباراة النجمة والعهد، على أي ملعب، تحت أي ظرف، وضمن أي مسابقة، هي جاهزة لمشكلٍ أساساً، قد لا يتدخل الجمهور فيه حتى. الأرضية لا تحتاج إلى تحريك. هذا الاتحاد ليس جديداً على اللعبة. عدد لا بأس به من المشجعين المتحمسين لم يكونوا قد وُلدوا بعد حين بدأ عهد الرئيس الحالي للاتحاد هاشم حيدر. وهذه المشكلات المتطورة بين جمهوري الناديين عمرها أكثر من 10 سنوات. كيف لمباراةٍ في كأس السوبر، أن تُقام دون حضور الجيش، وبمؤازرة عناصر من قوى الأمن، غير قادرين على مواكبة حافلة حتى بسبب عددهم القليل!
ملعب أمين عبد النور عينه كان شاهداً قبل أسبوعٍ على مشكلٍ بعد نهاية مباراة الأنصار والعهد في نهائي كأس النخبة، ومن بعده غرّم الاتحاد الأنصار 30 مليون ليرة! وهذا مبلغ يدل على حجم ما ارتكبه المشجعون. هذا الملعب قد يُصنف «ساقطاً أمنياً» على صعيد الملاعب اللبنانية، حيث أنه يضم بوابة واحدة، وساحة صغيرة واحدة، ومدرجاً واحداً قريباً من أرضية الملعب، وبسورٍ قادرٍ على استيعاب مئات المشجعين على الطريق، ومع ذلك، اختير لأن يكون مكان الحدث، والحجة أن لا ملعب جاهزاً غيره، لأن الاتحاد الذي يؤجل مباريات بطولاته كل موسم، بل يتأخر في إطلاق الموسم أساساً، لم يعد الآن قادراً على تأجيل السوبر، والأسبوع الأول حتى تنتهي الاحتفالات في ملعب فؤاد شهاب في جونية!
يستسهل الاتحاد اللبناني لكرة القدم رفع المسؤولية عن نفسه دائماً. يجد في ذلك المهرب السريع لمشكلاتٍ كثيرة. ليس المسؤول عن الملاعب، بل البلديات، ولا هو المسؤول عن الأمن، بل وزارة الداخلية، ولم يعد المسؤول عن أي ملف مراهنات لأنه أصبح لدى الجهات المختصة (أي في جارور سياسي نافذ)، واليوم، أصبح «حال البلد» المسؤول الأول. لكنه المنظم لبطولاته، ومن المفترض، أن يسعى لأن يُقدّم مُنتجه كالمسابقات المحلية بأقل الأضرار، بمعنى، أن يبقى على تواصل، بل يضغط أيضاً، على الحكومة والسياسيين، للدفع نحو إيجاد حلول بين الاتحاد والبلديات وتأمين الملاعب بالعناصر الأمنية الكافية (علماً أن الملاعب الكبيرة أصبحت خارج الخدمة).
مباراة النجمة والعهد على أي ملعب وتحت أي ظرف وضمن أي مسابقة هي جاهزة لمشكلٍ أساساً قد لا يتدخّل الجمهور فيه حتى


التحجّج بـ«الوضع» لم يعد «يُبلع» عند الجمهور الذي يتابع كرة السلة في المسابقات المحلية والمنتخب. المباراة الأخيرة أمام الفيليبين التي استضافها ملعب نهاد نوفل كانت كفيلة بإظهار الفارق الكبير بالاهتمام بين اللعبتين. لسنا هنا في وارد الحديث عن الفوارق بين اللعبتين، لأنها كثيرة، وتاريخية، لكن التاريخ تحديداً، هو المشكلة الرئيسية. تاريخ الأكثر من 20 عاماً من إدارة اللعبة بتراجعٍ دائم وبحُجج جديدة من الـ«ما خلّونا»، ولأن العبارة لا تتوافق مع من يدير اللعبة، إن كان يديرها فعلاً!
المؤامرة موجودة دائماً في عقول الكثيرين. وغالباً من يُحيكها مكشوفٌ عندهم. لوبي، دولة، أحزاب، ولمَ لا، اتحاد كرة وأندية. والحقيقة، أن ثمة ما يُحاك في الكواليس فعلاً. هذا ليس أمراً مخفياً على أي متابعٍ بسيطٍ للعبة في لبنان. لكن الاتحاد اللبناني أبسط من ذلك. هو فعلاً غير قادر على إدارة اللعبة. هذه مجموعة غير قادرة على تصفية النفوس على طاولةٍ واحدة لا تجمع أكثر من رئيس والأمين العام و10 أعضاء (هذا إن اجتمعوا، لأن «الاعتذارات» غلّابة في التعاميم)، فكيف لها أن تكون مسؤولة عن آلاف العائلات؟ مجموعة تتصارع على رئاسة اللجان لا لأحقية مبنية على شهادات وخبرة، بل للمداورة والسُلطة، والسفر. لجنة تنفيذية لم تُسمِّ رئيساً للجنة الملاعب قبل أسبوعٍ على انطلاق بطولة الدوري، ولا رئيساً للجنة التسويق. المهم بالنسبة إليهم، أن ينتهي الدوري. من يحمل اللقب ومن يهبط، هذه أمور يحكى فيها لاحقاً، لكن الأهم، هو تسليم الأمانة لـ«فيفا». المطالبة بالاستقالة باتت سخيفة في بلد أحداً لا يتحمّل فيه المسؤولية عن أي فعل. ومواجهة الأندية بـ«إنتوا انتخبتوهم» أسخف. الطباخ واحد، والجمهور، ومعه اللاعبون والمدربون والموظفون، يبلعون السم. ربما، أهوَن الحلول، وأقربها إلى الواقع، أن يُسلّم الاتحاد المسؤولية إلى الأندية، ويُلزمها بتنظيم مبارياتها، ويبقى الهيكل، وتبقى الكراسي والبِدل.