كم ستكون معبرة اللحظة حين يدخل ميروسلاف كلوزه ولويز فيليبي سكولاري ملعب «بيلو هوريزونتي»، الليلة، حيث سيتواجه على عشبه المنتخبان البرازيلي والألماني. فما بين الاثنين ذكرى نهائي مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، الذي جمع المنتخبين للمرة الاولى في تاريخ المونديال، وفاز به «السيليساو» بهدفي «الظاهرة» رونالدو، اذ وحدهما «ميرو» و«بيغ فيل» سيكونان الشاهدين على ذلك التاريخ الماضي والحاضر في مباراة الليلة.
العودة إلى عام 2002 تحديداً تبدو مهمة لرسم صورة لمسار المنتخبين مذذاك التاريخ، وصولاً الى لقاء الليلة، الذي يصح وصفه بالتاريخي بين بطلين سابقين للعالم، تجمع غلتهما معا 8 ألقاب، اذ إن نهاية مباراة يوكوهاما مثلت، للمفارقة، «مفترق طرق» بالنسبة إلى عملاقي الكرة في العالم والمدرستين الرائدتين: البرازيل سارت في خط تنازلي وألمانيا عاكستها. البرازيل خفت نجمها، بينما ألمانيا عادت الى التوهج بعد فترة كانت فيها كرتها في الظل. البرازيل فقدت الكثير الكثير من سحرها، ولم تنجب حتى هذا المونديال سوى لاعبين أو بالكاد ثلاثة لاعبين يمكن أن يكونوا في عداد تشكيلة 2002 الذهبية، أما البقية، برمتهم، فلا. في المقابل، عرف الألمان تطوراً في خطط لعبهم، مع تخليهم عن اللعب التقليدي نحو الكرة السريعة والعصرية والاستحواذ، بالتزامن مع ولادة مواهب عديدة.
من هنا، يمكن القول إن النجم الألماني السابق، لوثار ماتيوس، ما كان ليخرج، بالتأكيد، بتصريح يقول فيه تعليقاً على مباراة الليلة: «خلافاً لكون البرازيل مضيفة، ليس هناك أي شيء نخشاه في هذا المنتخب»، لو كان الأمر متعلقا بالموقعة الأولى للبلدين، أما الآن، فلا شك، أن الأمور مختلفة، حتى لو ان الألمان يلعبون المباراة في قلب البرازيل.
لكن هذا المشهد العام ليس كافياً لرسم مسار المباراة، اذ ثمة معطيات وتفاصيل وجزئيات تحكم مثل هذه اللقاءات، وتستدعي طرح بعض التساؤلات.

غياب نيمار اختبار حقيقي لسكولاري وللاعبي «السيليساو»

وبالتأكيد، فإن المعطى الأول الذي فرض نفسه بقوة في الأيام الأخيرة في المونديال، هو اصابة نيمار وانتهاء مشواره في البطولة. بطبيعة الحال، فإن غياب نجم برشلونة الاسباني مؤثر في «السيليساو»، بعد بروزه في المباريات الخمس الأولى، لكن «قضية نيمار» أخذت ضجة وحجماً مبالغاً فيهما، الى حدٍّ بات مسيئاً إلى صورة الكرة في بلاد بيليه وزيكو ورونالدو واللاعبين زملائه. من المعيب لبلد هو مهد الكرة ويستضيف المونديال على أرضه ان يتوقف مصيره على لاعب، مهما علا شأن هذا اللاعب. ومن ثم، من قال إن غياب تياغو سيلفا يقل أهمية عن غياب نيمار؟ وأكثر، ألم يأخذ سكولاري في الحسبان إمكانية إصابة نيمار او تلقيه إنذارين (علماً أنه كان قريبا من ذلك) أو طرده؟ هذا فضلاً عن أن هذه المسألة اضطرت اللاعبين الألمان الى الخروج بتصاريح يعربون فيها عن أمانيهم لو كان نيمار حاضرا في اللقاء، لا لشيء الا لكي لا يقلل أحد من انتصارهم فيما لو تحقق، علماً أنه تجدر الاشارة هنا إلى نقطة مهمة، وهي ان النجمين العالميين، الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، فشلا فشلاً ذريعاً أمام المنتخب الألماني، وهذا ما يقود إلى حقيقة ان وجود نيمار من عدمه قد يكون سيان بالنسبة إلى الألمان.

المواجهة بين البرازيل وألمانيا يختصرها البعض بنزال بين المدربين البرازيلي لويز فيليب سكولاري والألماني يواكيم لوف. تفوق الأخير سابقاً، والليلة سيفوز المدرب الأذكىما يمكن الخروج به من نقطة نيمار أنها اختبار حقيقي لقدرات سكولاري في امكان ايجاد الحل المناسب، وللاعبين البرازيليين بأن يكونوا في المباراة السادسة على مستوى الحدث، كما كان عليه الامر مع نيمار في المباريات السابقة، وهم قادرون على ذلك من دون اي شك، بالنظر الى رفعة مستواهم، وخصوصاً أن إصابة الأخير زادت من الاحتضان الشعبي للمنتخب الاصفر، فكيف سيكون المشهد من دونه الليلة؟
هذه النقطة الأخيرة تقودنا الى السلاح القوي بيد البرازيليين في المباراة وهو الجمهور والدعم الشعبي، الذي يُنتظر بأن يكون فائقاً للتصور في يوم تاريخي للبلاد، التي فشلت في مونديالها الأول على أرضها عام 1950. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: كيف سيتعامل الألمان المعروفون بجديتهم لا عاطفيتهم على عكس البرازيليين، مع هذه الأجواء، هم الذين، للتذكير، خسروا نصف نهائي مونديال 2006 أمام ايطاليا على أرضهم، علماً أنهم، في لقاء الليلة، يتفوّقون على أصحاب الأرض بعامل مهم وهو الخبرة، وهذا ما ظهر جلياً أمام فرنسا؟
واذا كان للمدربََين يواكيم لوف وسكولاري دور كبير في مباراة الليلة من خلال القراءة التكتيكية والتشكيلة، بحسب ما رأى باستيان شفاينشتايغر، فإن لحماسة اللاعبين وطموحهم كلمة مهمة أيضاً انطلاقاً من أن البرازيليين سيقاتلون لعدم ضياع فرصة تاريخية لن تتكرر الا بعد ردح من الزمن، بالظفر بالكأس الغالية على أرضهم، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار الابتعاد عن الخشونة الزائدة، حيث يتصدرون قائمة المنتخبات الأكثر ارتكاباً للأخطاء في البطولة، وخصوصاً ان الألمان اقوياء في الركلات الثابتة. أما لاعبو «المانشافت»، من جهتهم، فإنهم تواقون جداً، على ما ذكر عدد منهم، لمحو الإخفاقات السابقة في الأمتار الأخيرة، فضلاً عن الفرصة التاريخية لكلوزه لكسر رقم رونالدو في مرمى منتخب بلاده، وعلى أرضه، وهذا ما سيزيد المباراة ندية بطبيعة الحال.
إذاً، العالم يحبس أنفاسه لهذه الملحمة الكروية التاريخية. كيف يمكن ألا تكون هذه الموقعة للذكرى والتاريخ في هذا المونديال الرائع، وطرفاها هما: البرازيل وألمانيا؟