العنوان الأول الأبرز الذي يمكن الخروج به من ربع نهائي مونديال البرازيل هو أن البطولة عادت إلى كنف سابقاتها وإلى المسار «التقليدي» بوصول المنتخبات الكبرى إلى المربع الذهبي، أي البرازيل وألمانيا من جهة، والأرجنتين مع هولندا، من جهة أخرى، وبالتالي فإن المباراة النهائية باتت حكماً «كلاسيكية» على غرار أسلافها بين منتخبين من فئة الكبار. هكذا، وبخلاف موقعة ألمانيا وفرنسا، فقد نجح «السيليساو» في إيقاف المد الكولومبي الذي جرف الجميع من أمامه، وتمكن «الطواحين» من إخماد ثورة كوستاريكا، بينما وضع «راقصو التانغو» حدّاً للمغامرة البلجيكية. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما السبب الذي أدى الى توقف «عاصفة الصغار» وعودة الكبار إلى «الضرب بيد من حديد» والإمساك بزمام الأمور؟ ثمة سببان جوهريان مترابطان يقفان خلف ذلك، وهما عامل الخبرة والتجربة، وحنكة المدربين ودورهم البارز في الحسم، والذي طغى في هذه المرحلة المتقدمة والحساسة من البطولة على إبداعات اللاعبين التي كان لها الحظوة في الدورين السابقين.
ولعل خبرة اللاعبين الألمان وتجربتهم الغنية جداً في البطولات الكبرى على صعيد المنتخب والأندية، بدتا أكثر تجلياً أمام فرنسا التي طغى على تشكيلتها عنصر الشباب، وذلك من خلال قدرة الألمان على التحكم باللعب وقتل المباراة واقتناص الأخطاء.

أما بالنسبة إلى البرازيل وهولندا والأرجنتين، فقد بدا حضورها منظماً وغلب على حماسة الخصوم. واستتباعاً لهذه النقطة، فإن حنكة المدربين بدت طاغية في ربع النهائي على الأدوار الفردية للاعبين في الحسم، حتى يمكن القول إن «الكلمة الفاصلة» كانت بأيدي المدربين هذه المرة، وهذا ما كان متوقعاً في هذه المرحلة من البطولة مع أسماء كالهولندي لويس فان غال والألماني يواكيم لوف والأرجنتيني أليخاندرو سابيلا والبرازيلي لويز فيليبي سكولاري. وإذ بات معلوماً أن خطة سابيلا برمّتها مبنية على ليونيل ميسي، وهذا ما كان واضحاً في المباريات الأربع الأولى، فإن المباراة الخامسة أمكن، في بعض الأماكن، تلمُّس دور هذا المدرب فيها، إن عبر اعتماده على مارتن ديميكليس، صاحب التجربة الغنية، في مركز قلب الدفاع بدلاً من فيديريكو فرنانديز، في حين أن تبديلاته، المنطلقة من قراءة فنية صحيحة، كانت صائبة وفي التوقيت المناسب، إذ إنه لم يلجأ الى الارتداد الدفاعي مبكراً في الشوط الثاني حتى لا يتيح لبلجيكا، القوية هجومياً، فرصة الوصول بسهولة الى منطقته، وهذا ما كان واضحاً في تبديله في الدقيقة 71 عندما أخرج المهاجم إيزيكييل لافيتزي وأدخل بدلاً منه مهاجماً آخر هو رودريغو بالاسيو، فيما كان من المنطقي أن يدعّم خط وسطه في الدقائق الأخيرة بلاعب ذي نزعة دفاعية، فأخرج غونزالو هيغواين وأدخل بدلاً منه فرناندو غاغو.
القراءة الفنية الصائبة والتغييرات والتبديلات الموفقة أمكن ملاحظتها أيضاً عند لوف، الذي أذعن أخيراً للنداءات وأعاد فيليب لام الى مركزه الطبيعي في الظهير الأيمن، فيما اعتمد على جيروم بواتنغ بدلاً من بير ميرتساكر في قلب الدفاع، مع الزج بميروسلاف كلوزه منذ البداية لخبرته الكبيرة ولإيجاد توازن بين ثلاثي الوسط الدفاعي الذي عاد إليه سامي خضيرة وثلاثي المقدمة الهجومي.
من جهته، فإن سكولاري كان موفّقاً بالاعتماد على المخضرم مايكون في مركز الظهير الأيمن بدلاً من داني ألفيش، وتحديداً في الوسط عبر الثنائي فرناندينيو وباولينيو اللذين حدّا كثيراً من خطورة الوسط الكولومبي. يبقى أن «ضربة المعلم»، كما وصفتها الصحف الهولندية، كانت لفان غال، وتحديداً عند إخراجه الحارس الأساسي ياسبر سيليسن وإدخاله تيم كرول الذي تألق في ركلات الترجيح، ولتكون فرحة المدرب مع حارسه الاحتياطي، التي انتشرت في العالم بأسره، بحق، «لقطة ربع النهائي».