لا حديث يطغى حالياً على الملحمة الكروية المرتقبة التي ستجمع بين البرازيل وألمانيا مساء غدٍ (23.00 بتوقيت بيروت)، في الدور نصف النهائي لمونديال 2014. أينما ذهبت يتبادر الى مسامعك الكلام نفسه: تحدّ، تهديد ووعيد متبادل بين مشجعي المنتخبين. كلٌٌ يحسبها على قياسه أو وفق تطلعاته أو حتى أفكاره التي تخلط كرة القدم بالدين والسياسة والانتماءات المختلفة. منطق الحرب يكون حاضراً في الكثير من الكلام أيضاً، حيث تترك بعض المشاهد أو الحالات تأكيدات بأنه ليلة المباراة سيصل «الدم الى الرّكَب» إذا ما اجتمع طرفا الحديث معاً لحضور المباراة.

هي حرب أهلية ـــ كروية على الأراضي اللبنانية، تخطت اليوم مسألة نصب خطوط تماس في بيروت عبر علمَي البلدين، والتحدي المزمن حول من يرفع العلم الأكبر في أحد الشوارع أو من يجعل شارعه غابةً كثيفة تظللها الألوان الألمانية أو البرازيلية.
ومن أجواء المقاهي البيروتية في اليومين الأخيرين، يمكنك أن تأخذ العيّنة في جلسة مع مجموعة شبان؛ منهم من يتابع كل تفصيل في عالم الكرة، ومنهم من يتابع اللعبة موسمياً، أي كل أربع سنوات أو كل سنتين إذا أخذنا بعين الاعتبار المدة الزمنية التي تفصل بين كأس العالم وكأس أوروبا. وفي حالاتٍ أخرى، لا يكون ضرورياً استصراح أي أحد للخروج بمشهدٍ يختصر القصة كلها لأن نبرة الكلام عالية، إذ ليس هناك مكان للمجاملات عندما يصبح عنوان المحادثة البرازيل وألمانيا.
«يا طوني يا حبيبي، عن أي فقراء تتكلم، ثروة كل لاعب برازيلي يمكنها تغطية الدين العام اللبناني». عبارة يوجهها أحد الشبان الى صديقه الذي يحاول استمالته للوقوف الى جانب البرازيليين لاعتبارات اجتماعية، ويستشهد بالتظاهرات في بلاد المونديال لتأمين ظروفٍ معيشية أفضل. إلا أن هذا الشاب لا يهمه أي شيء من هذا الكلام، فهو يوضح أنه يحب الألمان بسبب ما يراه من عجرفة فيهم، ويختم ليؤكد لصديقه أنه متمسك بثوابته: «يا أخي، أنا ما بحب الفقرا، منيح هيك؟».

سارة العونية
ــ الألمانية تصبح برازيلية بسبب «الحكيم»

حديثٌ ثنائي آخر يجمع بين شابٍ وشابة لا شك في هوسهما بالسياسة وما يحيط بها وبوجود طرفٍ ثالث يبدو أنه مطّلع بشكلٍ أكبر على كل ما يدور في الفلك السياسي ـــ الرياضي.
الشاب المدعو حبيب، سحره اللون البرتقالي على ما يبدو لأنه يمثل صلة قربى مع «التيار الوطني الحر» على حدّ اعتباره، وهي مسألة أثارت ضحك صديقه غسان، المتابع النهم لكل الأخبار، والذي أكد له أن الجنرال ميشال عون مع البرازيل، بينما يفضّل «الحكيم» ألمانيا. العبارة الأخيرة كانت كافية لتحوّل سارة الجالسة معهما الى مشجعة برازيلية لأن توجهاتها لا يمكن أن تلتقي مع أي توجهٍ قواتي، حتى ولو في مكانٍ بعيد كل البعد عن السياسة!
وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، يبدو المهتمون بالمونديال أكبر بكثير، فهذا القسم من العاصمة اللبنانية هو أصلاً خزان لتخريج أبرز اللاعبين على الساحة المحلية، وحيث الاهتمام بالكرة على حساب أي شيء آخر.
في أحد الملاعب الشعبية التي لا يمكن أن تجد فيها فرصةً لحجزها لمدة ساعةٍ على الأقل، يدور جدال بين شابين بانتظار دورهما لممارسة هوايتهما المفضلة. وفيما يبدو أن لديهما أفكاراً فنية صحيحة من خلال تصويبهما على نقاطٍ أساسية في المنتخبين البرازيلي والألماني، فإن أيّاً منهما لا يمكنه تغييب محيطه الاجتماعي أو انتمائه السياسي عن الموضوع. أحمد الشاب المتعصّب لألمانيته يسأل قاسم كيف يمكنه التعاطف مع البرازيل على حساب ألمانيا التي احتضنت أبناء طائفتهما منذ زمنٍ بعيد وحيث أصبحوا مواطنين هناك أيضاً. عناد قاسم «البرازيلي» يقدّمه عبر جوابٍ ذكي لشابٍ لديه أقارب في الخارج أيضاً، بحيث يجيب ساخراً من زميله: «الشيعة الموجودون في ميتشيغن أكثر من أولئك الذين يعيشون في ألمانيا على حدّ علمي، لذا يفترض عليك تشجيع منتخب الأميركيين إذا كانت هذه هي الاعتبارات التي تختار من خلالها منتخبك المفضل». ويختم: «يكفي ان يرتدي البرازيليون الوان راية حزب الله لأكون متيّماً بهم».
ومع المسيرات والمسيرات المضادة المتوقعة قبل المباراة وبعدها، قد تشهد بعض شوارع بيروت ما لن يشهده محيط ملعب «استاديو مينيرو» في بيلو هوريزونتي، من مشاهد تعكس ما يحبه كثير من اللبنانيين أصلاً، وهو الانقسام ولا شيء سواه، وقد وجدوا أخيراً قضية جديدة ينقسمون عليها، قضية اسمها البرازيل وألمانيا.