التطور التكنولوجي الحاصل في كرة القدم، الذي بلغ ذروته بالاعتماد على تقنية «تكنولوجيا خط المرمى»، أدخل تجربة ناجحة أخرى الى اللعبة من خلال تحديد صحة الهدف من عدمه. لكن اللاعبين، والمدربين، والجمهور، لهم تكنولوجيا أخرى وهي تتمحور حول وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت حاضرة بقوة في اللعبة.
لم يكن مونديال ٢٠١٠ يحظى بهذا الكمّ الكبير من التفاعل على وسائل التواصل الإلكترونية، لكن هذا المونديال هو الأجمل، وبالتالي أصبحت أحداثه الأكثر تناولاً بين الناشطين على موقعي «فايسبوك» و«تويتر».
على «فايسبوك» سجل مليار تفاعل مع أحداث المونديال الذي لم ينتهِ. ويرجح أن تسجل البطولة مع اكتمال المباريات أرقاماً قياسية جديدة، كأكبر حدث على الإطلاق عرفته وسائل التواصل الاجتماعي. في الأسبوع الأول للبطولة، سجلت 459 مليون حالة تفاعل على «فايسبوك»، أي أكثر مما سجتله دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية وحفل جوائز الأوسكار معاً، بحسب ما أكدت وكالة «رويترز». وكان مدير الشراكات بشركة «فايسبوك» نيك غرودين قد صرّح إلى الوكالة: «يجري الناس حوارات على نطاق واسع بشكل غير مسبوق على فايسبوك تتناول ما يشاهدونه».
يلفت التفاعل
الإيراني مع كأس العالم على مواقع التواصل الاجتماعي


هذا الكلام قد يكون له منحى إيجابي من جهة وسلبي من جهة أخرى. الإيجابي فيه هو حين تكون هذه الوسائل مصدراً لمتابعة أخبار المباريات وتبادل الصور وفيديوات الأهداف. وقد تكون المشاركات تشمل في معظمها تهكماً وشماتة بالمنتخبات الخاسرة، ما يزيد المرح أحياناً، لكن قد تتصف بعضها بالمشادات والمزاح الثقيل، ما يجعل بعضها كحال المنافسة على أرض ملعب، شرسة جداً. وفي بعض النقاشات تكون الآراء عشوائية من دون خلفية كروية فعلية، وتأخذ منحى ساخراً فقط، وأحياناً من «فايسبوكيين» لا يتابعون اللعبة بشكلٍ حثيث بل فقط في المناسبات الكبيرة مثل المونديال.
وفي سياقٍ آخر، وبعيداً عن الجمهور، عمل المنتخب الألماني على الاستفادة من هذا التفاعل الضخم، فوضع القيّمون شاشة عملاقة داخل مقر إقامته تعرض عليها تغريدات مشجّعة للاعبين. أما منتخب الاوروغواي فكان أكثر تفاعلاً مع واقع هذه الوسائل، وبرنامج «واتس آب» بات «اللغة الرسمية» بين اللاعبين والجهاز الفني داخل مقر الإقامة.
الأهم من هذا التفاعل الضخم هو ما اكتُشف عن بلاد عدة من منظور آخر. أولاً في البرازيل، حيث انتشرت رسمة الفنان باولو إيتو التي تحاكي واقع حال جزء من الشعب البرازيلي الفقير. رسم إيتو الصورة على واجهة مدرسة ابتدائية عكس فيها صورة ما يجري هناك. طفل صغير يبكي أمام مائدة لا يوجد عليها طعام بل كرة. دقائق بعد نشره الرسمة، تبادل الناشطون الصورة، الى حدّ وصل إلى حوالى 30 ألف مرة، ما جعله يقول: «الكثير من الأمور ليست على ما يرام في البرازيل».
كذلك الأمر، كشف المونديال بعض الحقائق عن إيران. الجمهور، عكس الصورة المعروفة عنه، ينشط وبكثرة على «فايسبوك» و«تويتر». يمكن القول إن الحظر على هذه المواقع اسميّ فقط. معظمهم يملكون حسابات، وكأس العالم لفتت النظر الى البلاد من جديد، وخصوصاً في الصور التي انتشرت للنساء الإيرانيات ولللاعبين أيضاً. لقد كسر الإيرانيون الصورة النمطية، وتحديداً الشاب والمرأة اللذين صُوّرا وهما يتبادلان القُبل.
اللاعبون يملكون حسابات على «تويتر» أيضاً؛ رضا غوشان نجاد ودانيال دافاري وحسين ماهيني، وكذلك هناك حساب رسمي للمنتخب، وحساب أيضاً للرئيس الإيراني حسن روحاني الذي بدوره نشر صورةً له من دون عمامته وبثياب رياضية يشجع منتخبه.
وسائل التواصل أصبحت جزءاً من اللعبة، اللاعبون والجمهور عيونهم على الملعب وعلى الشاشات الإلكترونية معاً.