ما يفعله كريم بنزيما هذا الموسم يبدو خرافياً، وما مرّ به طوال تلك الأعوام مع ريال مدريد، يمكن أن يصلح لتصوير مسلسلٍ تلفزيوني عالمي يتمحور حول عدم الاستسلام والانتصار للذات.فعلاً ما يفعله بنزيما لا يصدّق لا بالنظر إلى ما مرّ به فقط بل بالنسبة إلى لاعبٍ في سنّه، إذ إن اللاعبين وخصوصاً المهاجمين اعتادوا على الحديث عن موعد اعتزالهم مع بلوغهم الـ 34 من العمر، لكن الحديث كلّه اليوم هو عن الاحتمال الكبير لفوز الجزائري الأصل بالكرة الذهبية لأفضل لاعبٍ لسنة 2022.
هي مسألة وقت إذا ما واظب بنزيما على فعل ما يفعله أو إذا لم يتألق لاعبٌ آخر بشكلٍ غير طبيعي مع انطلاق الموسم المقبل أو في نهائيات كأس العالم المرتقبة. لكنّ قصة كريم مع النجاح والتألق تكفي لوحدها لمنحه «البالون دور»، وذلك بعيداً من إبهاره عالم الكرة بتسجيله حتى الآن 39 هدفاً في 39 مباراة خاضها هذا الموسم (قبل مباراة ريال مدريد الأخيرة مع أوساسونا).
هنا الكلام عن لاعبٍ كان قبل سنواتٍ قليلة محط انتقادات واسعة حيث اتهمه محبو الريال بتخسيرهم المباريات بفعل إهداره الكثير من الكرات السهلة للتسجيل. لكنّ الواضح أن هؤلاء المنتقدين كانوا غير محقين ولو أن بنزيما أتعبهم جراء هذا الأمر. أما السبب فهو بالنسبة إلى المتعمّقين باللعبة فيختصر بأنه أكثر من مجرد مهاجم، فهو لاعب للمجموعة، وممرّر للكرات الحاسمة، ومدافع عند الخط الأول ومتعاون مع الجميع.
كل هذه الأمور وضعته في المرتبة الثانية في الفريق الملكي على صعيد النجومية. كيف لا والنجم الأول في الفترة التي تحسّن بها أداؤه كان البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي تغذى من تمريرات زملائه وبينهم بنزيما ليصبح الهدّاف التاريخي للنادي الملكي بـ 450 هدفاً.
بنزيما يقف هناك على اللائحة الذهبية للهدّافين المدريديين، وتحديداً في المركز الثالث خلف رونالدو وراوول غونزاليس على التوالي، متقدّماً على أسماءٍ كبيرة مثل ألفريد دي ستيفانو، المجري فيرينك بوشكاش، المكسيكي هوغو سانشيز، إميليو بوتراغوينيو وغيرهم.
الواقع أن رقم بنزيما كان يمكن أن يكون أكبر لو أنه نفّذ ركلات الجزاء الـ 91 التي وقّع اسمه عليها رونالدو، وكان ليصبح الهدّاف التاريخي لفريق العاصمة الإسبانية لو أضاف إليها الركلات الـ 26 التي سجّل منها سيرجيو راموس.
مسيرة بنزيما المتقلّبة في ريال مدريد تصلح لتصوير مسلسلٍ تلفزيوني عالمي


لكنّ القدر رسم له طريقاً آخر، وحدّد دوره بمساعد النجم البرتغالي لا أكثر، ولفترةٍ طويلة، فكان أن حصد الأخير 4 كرات ذهبية خلال تلك الفترة التي قضاها في مدريد إلى جانب بنزيما الذي كان دوره محورياً في إحراز «الميرينغيز» 4 ألقاب في دوري أبطال أوروبا خلال 5 سنوات.
في تلك الفترة اكتفى كريم بالتصفيق لرونالدو بعدما كان كريماً في عطائه للفريق مع كل المدربين المتعاقبين، لكن مع رحيل الأخير إلى يوفنتوس الإيطالي، قام الدولي الفرنسي بتغيير قواعد اللعبة، فنقل نفسه إلى دائرة النجم المطلق في الفريق الأبيض، محوّلاً لاعبين آخرين أمثال البرازيلي فينيسيوس جونيور للعب دوره السابق، ليلمع كقائد كبير وكهداف لا يرحم في آنٍ معاً.
بنزيما يستحق الإشادة لأنه لم يستسلم يوماً، إذ حتى عندما استُبعد من منتخب بلاده بقيت لديه الرغبة للدفاع عن ألوانه، فعاد وقاده إلى لقب دوري الأمم الأوروبية في العام الماضي بهدفٍ رائع في النهائي أمام إسبانيا وبجائزة أفضل لاعب في المباراة، والتي تلاها اختياره كأفضل لاعبٍ فرنسي لعام 2021.
هو يستحق أكثر من ذلك لاندماجه الفائق مع الأجواء المحيطة به، ففي مدريد خلق ثنائياً رائعاً مع فينيسيوس، ومع المنتخب لم يتمكن كيليان مبابي من حجب نجوميته بل أصبح مكمّلاً له. الأخير كما غيره من النجوم يعرفون اليوم أن الحُكم هو لـ «الحكومة»، فإذا جاء إلى «سانتياغو برنابيو» فعليه أن يكون وزيراً منفّذاً لتوجّهات حكومته لا أكثر.
توجّهات لا تجلب إلا النجاحات التي يفتقدها أي فريقٍ لا يعرف البحث عن لاعبٍ بـ «كاراكتير» بنزيما الذي يُختصر بالروح القتالية، والإصرار، والعناد، وقوة الشخصية، والموهبة الفطرية، والإمكانات البدنية والتهديفية، والذكاء الحاد في تحويل أي موقفٍ على أرض الملعب إلى حالةٍ إيجابية.
بنزيما يستحق أن يفوز بالكرة الذهبية؟ هذه العبارة لا يفترض أن تكون سؤالاً بل إجابةً واضحة وصريحة وإلا ستكرّس هذه الجوائز الظلم الذي طاول نجوماً كُثراً كرماً لشعبية آخرين، وخير دليلٍ على ذلك كان آخر ضحايا العامين الماضيين وهو البولندي روبرت ليفاندوفسكي.