صدم أتلتيكو مدريد عالم كرة القدم وحتى جمهوره عندما لعب بعشرة مدافعين حرفياً في مباراته الأولى أمام مانشستر سيتي. استراتيجيةٌ لم تسمح له بتسديد أي كرة باتجاه مرمى الفريق الإنكليزي، ليخرج خاسراً بهدفٍ وحيد بعدما استخدم مدرّب «السيتيزنس» الإسباني جوسيب غوارديولا حنكته لفتح كوّة في الجدار الدفاعي الذي بناه نظيره الأرجنتيني دييغو سيميوني.الأخير مجبرٌ الآن على اللّعب بأسلوبٍ مختلف في مباراة الإيّاب على أرضه حيث سيكون مرتاحاً بسبب دعم جمهوره، وأيضاً بسبب حصوله على يوم راحة أكثر من ضيفه الذي خاض أصلاً مواجهةً مرهقة مع ليفربول يوم الأحد حيث عاش ضغطاً بدنياً وذهنياً يمكن أن يؤثّر عليه سلباً في موقعة الليلة مع «الأتليتي».
لكن ولو أنه يلعب في «واندا متروبوليتانو» فإنّ وضع أتلتيكو ليس مطمئناً فهو لم يقدّم مستوى ثابتاً طوال الموسم، ورغم وجود مهاجمين كبار في تشكيلته أمثال الأوروغوياني لويس سواريز والفرنسي أنطوان غريزمان والبرازيلي ماتيوس كونيا، فقد افتقد إلى الغزارة التهديفية، لا بل إنه فشل في التسجيل في آخر مباراتين خاضهما، وهو إذ يتغنّى بقدراته الدفاعية وتنظيمه على هذا الصعيد، فقد اهتزت شباكه في مبارياته الثلاث الأخيرة.
فعلاً كلّ هذه المؤشرات غير مطمئنة، فإذا كان سيميوني يسعى إلى تعادلٍ سلبي ليعمل على مفاجأة خصمه بمهاجمته في مباراة الإياب وخطف بطاقة التأهّل إلى دور الأربعة، فهو يحتاج الآن إلى الهجوم لتعويض خسارته ذهاباً، كما أنه يحتاج إلى طريقةٍ دفاعية مغايرة لتعطيل الفريق الإنكليزي القادر على ضرب أي مضيفٍ له.
الأرقام تتحدّث عن قوة منظومة «بيب» التي لم تتعرّض لأي سقطة في 9 مباريات متتالية حيث خرجت منتصرة في 6 مناسبات، وبدت أنه لديها الحلول الهجومية لأي موقف صعب، مسجلةً في 3 من آخر 5 مباريات هدفين أو أكثر، حيث عاد البلجيكي كيفن دي بروين إلى التألّق بعد تعافيه تماماً من إصاباته ليهزّ الشباك في 4 مباريات على التوالي.
الأرقام تحكي عن قوة منظومة «بيب» وعدم ثبات مستوى فريق سيميوني


لكن كلّ هذا لا يعني أن رحلة السيتي إلى العاصمة الإسبانية ستكون أقل سهولةً من مباراته على ملعبه حيث صعّب عليه أتلتيكو المهمة عندما تكتّل في حدود ثلاثين متراً حول منطقته، قبل أن يطلب غوارديولا من أفضل لاعبيه في استلام الكرة والدوران أن يظهر قدر الإمكان على خط التمرير ليلتقي مع هروب دي بروين بين الخطوط، فكانت التمريرة الذكية من الأول للثاني الذي حسم اللقاء لمصلحة فريقه في الشوط الثاني. في هذا الشوط أظهر «الأتليتي» أنه يملك أفكاراً هجومية، لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تكون على صورة ما أقدم عليه أمام مايوركا (0-1) في نهاية الأسبوع عندما قرّر مدربه الأرجنتيني اللعب باستراتيجية 3-5-2، ما كلّفه خسارةً ثامنة في «الليغا».
هنا يمكن الجزم بأنه لا يمكن مواجهة بطل إنكلترا بثلاثة مدافعين، لذا على الأرجح سيفكّر سيميوني بمكانٍ ما بخطة 5-4-1 التي ستؤمّن له قوةً هجومية على طرفَي الملعب، وخصوصاً إذا ما استعان بلاعبين سريعين على غرار الأرجنتيني أنخيل كوريا والبرتغالي جواو فيليكس، وأيضاً بلاعبين يجيدون الانطلاق في المرتدّات السريعة على صورة الأرجنتيني الآخر رودريغو دي بول.
أضف أن هذه الخطة التي تترافق مع إغلاق العمق في خط الوسط خلال بناء السيتي للهجمة، ستكبّل كلّ لاعب من ناحية الفريق الضيف يتواجد على أحد طرفَي الملعب، وتجبره على عدم المخاطرة من أجل تأمين الناحية الدفاعية، فالأزرق السماوي يصنع الفارق انطلاقاً من ظهيريه ومروراً بأحد الجناحين مع انضمام لاعب وسطٍ محوري لخلق المثلثات التي تؤمّن الزيادة العددية الكفيلة بضرب خطوط الدفاع.
إذاً الحديث هنا عن التوازن الدفاعي ـ الهجومي مع ميلٍ أكثر للهجوم انطلاقاً ممّا نجح به جزئياً أتلتيكو أو ما أظهره بصورةٍ أفضل في المواجهة الأولى، فإذا أراد «لوس كولشونيروس» أن يستخدموا سلاح المرتدات فعليهم أن يبدأوا في بناء هجمتهم من الخلف لإجبار لاعبي السيتي على الخروج من ملعبهم، فهؤلاء يتميّزون بالتحوّل الدفاعي السريع أمام أي هجمةٍ مرتدة، وبالتالي فإن إبعادهم عن منطقتهم سيخلق مساحةً فارغة للجناح المتقدّم من أجل محاولة الوصول إلى المرمى.
مواجهةٌ من النوع الصعب لا أفضلية فيها لأي فريق، إذ إنّ الطرفَين يملكان مدرّبَين يمكن أن يرميا بفكرةٍ مفاجئة في أي لحظة لتترك أثرها بشكلٍ سريع، وهو ما يعرفه كلُّ منهما، والدليل ما قاله سيميوني بعد مباراة الذهاب: «لقد أدهشني غوارديولا بالطريقة التي نجح فيها باقتناص الفوز».