البحث عن أندية لكرة القدم النسائية ليس بالأمر السهل في العاصمة بيروت، فكيف إذا كان في المناطق الداخلية أو الأطراف. سياسة الدولة خلال السنوات التي خلت اهتمّت ببيروت وجبل لبنان على حساب الأطراف والداخل، الأمر الذي ضرب جميع القطاعات هنا، وخلق حرماناً كبيراً، لتُترك الأمور للمبادرات الفرديّة. واحدة من هذه المبادرات المميّزة في البقاع اللبناني هي نادي كرة قدم للسيدات. نادٍ حديث التأسيس، ظهر في بيئة ليست شغوفة كثيراً بالكرة النسائية، أو هي بالأحرى ليست معتادة عليها.
اللبنانيون جلُّهم، وخصوصاً محبّي الرياضة يعرفون فريق النبي شيت لكرة القدم للرجال، على اعتبار أنه النادي البقاعي الوحيد الذي لعب في الدرجة الأولى، ولكن بسبب الظروف الصعبة اقتصادياً هبط إلى الدرجات الدنيا، وبالتالي فإنه لن يخطر على بال أحد أن يكون هناك فريق للسيدات في البقاع. الفكرة حاضرة منذ سنوات، ولكنها لم تصبح واقعاً سوى في العام الماضي وتحديداً في شهر تموز، وذلك عندما قرّر رئيس نادي نجم البقاع الرياضي محمد جواد الموسوي (عضو في الاتحاد اللبناني للميني فوتبول) تأسيس نادي كرة قدم للسيدات (ميني فوتبول). أراد الموسوي من هذه الخطوة خلق حيّز للفتيات اللواتي يرغبن بممارسة كرة القدم بطريقة محترفة، وعدم ترك الأمر لمجرد الهواية. وشارك النادي الذي ضمّ عدداً من اللاعبات من قرى البقاع الأوسط في أول بطولة تجريبية للميني فوتبول، حيث وصل الفريق إلى دور نصف النهائي، وخسر أمام حامل لقب البطولة نادي جبل عامل، تحت إشراف المدرب اللبناني ماريو قازان.
تأسّس نادي نجم البقاع للسيدات في صيف العام الماضي وهو يضمّ لاعبات موهوبات


وضعت الإدارة أسساً متينة، فحصرت النشاط في الرياضة وأبعدت أيّ مؤثّر آخر. تمّ تأسيس أكاديمية مؤلفة من ثلاث فرق، للرجال وللشباب (تحت 17 سنة) وفريق للنساء يتجهّز للدوري المقبل. هدف هذه الأكاديمية الأول بحسب ما يؤكد القيّمون عليها، إبعاد الشباب عن الأمور المضرّة ومحاولة تطوير إمكاناتهم للدخول في مجالات رياضية جديدة ومفيدة في المستقبل. الأكاديمية انطلقت في صيف العام الماضي في أربع مناطق مختلفة من البقاع : علي النهري، قصرنبا، دير الغزال وسرعين، ضمن برنامج موحّد بإشراف مدربين متخصّصين.
والأكيد أن الأكاديمية والنادي استفادا من مشروع «يلا نلعب ميني فوتبول» الذي ينظمه الاتحاد اللبناني للميني فوتبول لنشر الكرة النسائية واكتشاف المواهب.

أول تجربة تدريبية للسيدات
ينتظر سيدات نجم البقاع استحقاقُ كأس لبنان الذي يبدأ في شهر آذار المقبل، ويليه رسمياً أول بطولة دوري للسيدات في لبنان في شهر آب خلال الصيف المقبل. أبرز المواهب النسائية في الفريق، هما اللاعبتان نيفين فضل وغيدا سليمان، ويقول مدربهما ماريو قازان في حديث مع «الأخبار»: «إذا وجِد الدعم الكافي يمكن تطوير موهبتهما للاحتراف خارج لبنان لتمثيل بلدهما أحسنَ تمثيل».
على الصعيد الفني، تجربة مدرب السيدات الكابتن ماريو قازان كانت الأولى في تدريبات السيدات في البقاع، وهو واجه صعوبات بسبب ضعف الإمكانات. على صعيد منطقة البقاع كان من الصعب العثور على مواهب كروية نسائيّة، وذلك بسبب قلة الدعم لسنوات، وهو ما أعاق حصول تطور في هذا المجال. ولكن على عكس توقعاته فقد أكدّ قازان أن «العقلية النسائية احترافية بامتياز من حيث التعاون الجماعي والدفع المعنوي لدعم بعضهنّ بعضاً، ولهذا السبب كانت تجربة تدريب السيدات أكثر نجاحاً وأقل مشاكل من تدريب الرجال». وأضاف: «من أهم الخبرات التي يمكن الاستفادة منها رغم صعوبتها في تدريب السيدات هي قدرة التعامل مع سيدات من عمر (17 إلى 25) الذي يُعتبر عمراً صعباً لالتقاط موهبة كرة القدم، ما يشكّل حافزاً أقوى واستمرارية للوصول إلى نتيجة تكوين لاعبة متكاملة ذهنياً وبدنياً». هذه التجربة تُعتبر شعلة مضيئة في الكرة النسائية اللبنانية، وهي بالتأكيد بحاجة إلى مزيد من الدعم. الرياضة اللبنانية تتطوّر ببطء شديد، وفي وقت يتعلق الأمر بالكرة النسائية فإن الظروف تكون أكثر تعقيداً. الدعم المالي من الجهات الرسمية هو حاجة ضرورية لتطوير اللعبة وأخذها باتجاه الاحتراف، كما أن الدعم المجتمعي هو أمر ضروري لكي تتمكّن اللاعبات من تطوير إمكاناتهنّ الفنية والبدنية، ولِمَ لا الاحتراف في الخارج مستقبلاً.