وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم قد يكون شبيهاً بوضع تلك الإمبراطوريات القديمة التي انهارت تباعاً، رغم العَظَمة التي رسمتها لقرونٍ طويلة. «الفيفا» الذي تأسس قبل 110 أعوام، قد لا يكون على أبواب انهيار مشابه، لكنه من دون شك يمرّ بأسوأ فترة في تاريخه، وذلك في أكثر فترةٍ حساسة بالنسبة إليه، أي الفترة المونديالية التي تتوّج مجهود أربع سنوات من العمل الشاق لتنظيم أكبر عرس كروي على الإطلاق.
وكأس العالم هي سبب وجع الرأس بالنسبة الى أعلى سلطة كروية، إذ ما كان يفترض أن يكون الثقل بالنسبة الى «الفيفا» أصبح همّاً حقيقياً، لسببٍ بسيط، إذ يبدو أن هذه المؤسسة غطست في مستنقعات عميقة وضحلة بحسب ما يرشح عن وسائل الإعلام المختلفة الجنسيات يومياً، إذ لا يمكن حصر الفضائح في قارة أو منطقة واحدة، لا بل إنها ضربت قلب البيت، وباتت سلطة «الفيفا» فعلياً محط علامة استفهام ضخمة.
اليوم هو المونديال، وليس مونديالاً معيناً نتحدث عنه، بل المونديالات المختلفة والموزّعة بين البلدان التي حازت شرف الاستضافة.
وبين ما يعيشه المونديال البرازيلي يومياً منذ سنوات عدةٍ وحتى الساعات القليلة التي تسبق انطلاق الحدث، وبين الهجوم على المونديال القطري، والشكوك التي تحوم حول المونديال الروسي أيضاً، أصبح «الفيفا» في قفص الاتهام. الاتحاد الدولي الآن أشبه بكيس رمل يلكمه كل من يجد فرصة لفعلها، وهو يترنّح مثل ملاكم تلقى ضربات متتالية ويحاول تفادي الضربة القاضية وعينه على صوت الجرس الذي سينهي جولة اللكم والعذاب ويهدّئ الأمور وأخذ قسطٍ من الراحة. صوت صافرة انطلاق المونديال يوازي اليوم صوت الجرس المذكور، إذ إن «الفيفا» حالياً يصبر على كل تلك الضربات التي طالته أخيراً وينتظر بفارغ الصبر بداية كأس العالم لكي يتلهى عنها المهاجمون بعض الشيء ويعود أركانه للجلوس إلى الطاولة والتفكير في خياراتهم، إذ إن أيّاً منهم لا يريد أن يعيش بعد الآن الظروف المتعبة التي رافقت مونديال البرازيل.

غطس «الفيفا»
في مستنقعات عميقة وضحلة بسبب خياراته الخاطئة

لقد ثبت أخيراً أن «الفيفا» أخطأ بمكانٍ في منح شرف الاستضافة الى «بلاد السامبا»، إذ تجاهل الناحية الاجتماعية في هذا الخيار، وهو الذي ينادي دائماً بالقيَم. وهذا التجاهل انعكس سلباً على التحضيرات وسينعكس لا محالة على المونديال. ويمكن إعطاء مثلٍ بسيط على هذه المقولة في عدم جهوزية ملعب الافتتاح حتى هذه اللحظة. كذلك، وبعيداً من التظاهرات الكثيرة والمستمرة في الشوارع البرازيلية اعتراضاً على استضافة المونديال، بحسب ما تنقل إلينا شاشات التلفزة العالمية، يُسأل عما يمكن أن يحصل إذا ما قررت شركات الطيران أو المواصلات الداخلية إعلان الإضراب ولو ليومٍ واحد خلال المونديال.
«الفيفا» منهك ويدرك تماماً أنه يفترض عليه الهرب من عيش جحيم مشابه، وخصوصاً مع ازدياد الضغوط الخاصة باختيار روسيا 2018 وقطر 2022، والحديث الواسع النقاط عن استخدام الدولتين لـ«الغاز» من أجل تخدير ضمير المصوّتين ودفعهم الى اختيار ملفيهما على حساب ملفات أخرى لا تشوبها شائبة.
بطبيعة الحال، على جوزف بلاتر أن يحذر لأنه وحده قد يتلقى الضربة القاضية، فالتاريخ لن يرحم الرجل الذي عمل سنواتٍ طوالاً الى جانب الرئيس السابق للاتحاد الدولي البرازيلي جواو هافيلانج، قبل أن يحلّ مكانه ويفوقه حنكة ودبلوماسية. السويسري في عنق الزجاجة، وهو الذي يتراجع تباعاً عن خياراته الأخيرة لأنه يعرف تماماً أن مسيرته كلها ستمحى إذا ما ضُبط بتهمةٍ ما، بعدما اعتاد إسقاط مواجهيه بعرض تهمهم، تماماً كما فعل مع الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي القطري محمد بن همام العبدالله.
قد يكون غريباً التحدث بهذه السلبية عن «الفيفا» عشية كأس العالم، لكن ما يحصل في أروقة هذه المؤسسة ولو بصوتٍ خافت يوازي بشكلٍ أو بآخر الضجة التي سيثيرها المونديال، وللمرة الأولى منذ تاريخ تأسيسه عام 1904، يمكن القول إن «الفيفا» في خطرٍ حقيقي، فـ«الفاولات» التي ارتكبها كثيرة، والبطاقات الصفراء التي رفعت في وجهه ازدادت، ولم يبقَ بالنسبة الى معارضيه سوى رفع البطاقة الحمراء، التي ظهرت هنا وهناك في تظاهراتٍ عدة ترتبط بالخيارات المونديالية أيضاً، ولعل أبرزها تلك الخاصة بالانتهاكات الإنسانية للعمال في قطر، والتي أصبحت الرصاص في رشاشات مطلقي النار على مونديال الإمارة الخليجية.




بلاتر مستمرّ

ستكون الانتخابات الرئاسية والاتهامات بالرشوة التي تطال قطر أهم نقطتين في اجتماعات «الفيفا» خلال مؤتمره الـ 64 الذي يقام اليوم وغدٍ في ساو باولو. ووجه 3 رعاة من العيار الثقيل معتمدين من قبل «الفيفا»، هم: أديداس وسوني وفيزا رسائل الى المؤسسة الكروية بخصوص الملف القطري، مطالبين بين السطور بضرورة وضع حدّ لما يحصل من جدل.
وبحسب صحيفة «فرانس فوتبول» الفرنسية، فإن المؤتمر سيشهد إعلان الرئيس الحالي جوزف بلاتر ترشحه لولاية جديدة، وهو الذي يملك رأس السلطة الدولية منذ عام 1998.