سقطةٌ متعددة الأوجه لأطرافٍ مختلفة شهدها ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية، تسبّبت بأكبر أذى ممكن لكرة القدم اللبنانية التي سارت في الأعوام القريبة الماضية نحو رسم صورة أفضل لها بفعل الإنجازات المحقّقة إن كان من خلال التنافس الذي عرفه الدوري أو من خلال فوز العهد بكأس الاتحاد الآسيوي، أو من خلال نتائج المنتخبات المختلفة على الساحتين العربية والآسيوية.العهد نفسه كان في قلب المشهد العاصف رغم الهدوء الذي ساد بدايةً عند دخوله إلى أرضية الميدان للإحماء، متجاهلاً كل الأنباء التي وردت عن تخلّف النجمة عن الحضور لخوض المباراة في مواجهته ضمن المرحلة التاسعة من عمر البطولة.
قرارٌ لم يتخيّل أحدٌ أنه سيصبح واقعاً بعدما بدأ بتهديدٍ، ليذهب إلى إحداث حالة اصطفاف في الدوري، ومعه إلى مشهدٍ كان واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول مؤيدٍ ومعارضٍ له من قلب الجمهور النجماوي حتى.
إذاً حضر العهد وغاب النجمة، لكنّ الحضور الأقوى الذي أحدث ضجةً كبرى هو ما سبق إقامة المباراة وما حصل بعد وصول متصدّر الدوري إلى أرض الملعب، ومن ثم ما تلا الأحداث على وقع تضاربٍ في المعلومات والمعطيات.
والضجة هذه كان أبطالها عناصر قوى الأمن الداخلي الذين اعتقد الحاضرون في الملعب بأن عددهم الكبير الذي ترافق مع وجود عناصر من مخابرات الجيش اللبناني، كان لتأمين عدم حدوث أي إشكال أو تأمين سير المباراة من دون مشكلات لو حضر النجمة. لكنّ المفاجأة غير المنتظرة كانت عند تدخل عناصر الأمن لمنع لاعبي العهد من الدخول إلى أرض الملعب، قائلين بوضوح وأمام الجميع بأنهم ينفّذون قراراً صدر عن وزير الداخلية والبلديات!
مسألة لم تمرّ مرور الكرام، إذ فرض العهد دخوله إلى الملعب بقوة، حيث بدا منذ لحظة وصول إداريي الفريق بأن شيئاً ما سيحصل، فكانوا في حالة تأهب وإذا صح التعبير في انتشار في أكثر من مكانٍ في الملعب. هذا الشعور العهداوي كان سائداً ربما بسبب ما حصل عشية المباراة من خلال الاتصالات التي طلبت من العهداويين تأجيلها أقلّه لمدة 48 ساعة من دون إيضاح الأسباب، وهي اتصالات أجريت على مستويات عالية وصلت إلى حدّ تدخل وزير الشباب والرياضة جورج كلاّس على حدّ قول أمين سر نادي العهد الحاج محمد عاصي في حديثٍ تلفزيوني.
لكنّ الخطر هنا لا في التدخل السياسي الذي بات حالة سائدة في الرياضة اللبنانية منذ زمنٍ طويل، بل في الطريقة التي تدخّلت من خلالها القوى الأمنية لتغيير الصورة التي كانت واضحة، وهي أن فريقاً حضر وآخر غاب، ما يعني فوز هذا وخسارة ذاك. أما عدم تواجد الفريقين على أرض الملعب، فسيغيّر من المعادلة كلّها.
المفاجأة غير المنتظرة كانت عند تدخّل عناصر الأمن لمنع لاعبي العهد من الدخول إلى أرض الملعب


طبعاً، هنا لا بدّ من التوقف عند خطورة ما حصل، إذ يعلم الجميع بكل تجرّد بأن لا سبب أمنياً كما حاول البعض التسويق له هو ما فرض هذا التصرّف من جهةٍ أمنية يؤمل دائماً أن تحضر بهذه الأعداد وهذه الجهوزية لتأمين إقامة المباريات لا العكس، وهو الأمر الذي يعرّض لبنان لعقوباتٍ دولية في حال لمس «الفيفا» أي تدخلات سياسية في كرة القدم، وقد ذاقت بلدان كثيرة هذه العقوبات في فتراتٍ مختلفة.
أضف أن للملعب حرمته وقدسيته بالنسبة إلى الرياضيين، وهو ما دفع لاعبي وإداريي العهد للدفاع عن ما اعتبروه حقاً مشروعاً لهم، وهو الدخول إلى المستطيل الأخضر، إذ علموا مسبقاً بحسب مصدرٍ عهداوي بأن حدثاً ما سيحصل بعدما فشلت كل الوساطات لتأجيل المباراة، وهو القرار الذي لم يصدر عن اتحاد اللعبة ولم يُبلّغ إلى العهد أو القناة الناقلة التي شرعت قبل يومٍ في تحضير التجهيزات لنقل اللقاء مباشرةً على الهواء، لتكتفي لاحقاً بالمشاهد المؤسفة التي تُعدّ سقطة عامة ونقطة سوداء لمن تسبّب بها.
أما اللافت فهو ما أعقب اللقاء من محاولة رمي كرة النار هنا وهناك، فرفع البعض المسؤولية عن وزير الداخلية ووجّهوها ناحية وزير الشباب والرياضة غير المخوّل أصلاً بإصدار قرارات أمنية، بينما لم تصل أي طرف برقية حول حدثٍ أمني محتمل يمكن أن يؤدي إلى التصرف المذكور بحيث كانت الأمور طبيعية في الملعب ومحيطه، لكنّ السبب محسوم والهدف معروف.
أما المحسوم أكثر فهو أن هدفاً بالخطأ أصاب مرمى اللعبة التي عمل البعض على تسويق فكرة الانقسام فيها وترويج شائعات حول تخلّف أنديةٍ أخرى عن خوض مبارياتها أمس في ختام المرحلة التاسعة. لكنّ المحزن هو أن ما حصل كان خسارة للجميع في اللعبة وعلى رأسهم النجمة الذي وجد نفسه وحيداً في الساحة حالياً وينتظر مصيره بقرارات اتحادية ستدخل كرة القدم في مرحلة دقيقة، أو ربما تسوية على الطريقة اللبنانية تنقذ «النبيذي» من فقدان أمله في استعادة اللقب، كونه سيخسر المباراة ومعها 9 نقاط بحسب القوانين المرعية.
تسويةٌ قد تكون مقبولة إذا ما وُجد الحل بين أفراد العائلة الواحدة لا من خلال تدخلات أشخاصٍ غير مخوّلين أو دفع آخرين لأصحاب النفوذ للضغط على أهل اللعبة وتجريد جمهورها من آخر متنفّسٍ لهم في بلادٍ بالكاد تتنفّس جراء ثقل الضغوطات والأزمات الرازحة تحتها.