أجمل هدية في «البوكسينغ داي» ستكون بانتظار المراهنين على إنهاء مانشستر سيتي للقسم الأول من «البريميير ليغ» متصدّراً. الواقع هو أمرٌ قابلٌ للحدوث بشكلٍ كبير بالنظر إلى ما قدّمه بطل إنكلترا حتى الآن في البطولة حيث يدافع عن لقبه بشراسةٍ وبثبات، لترتفع أسهمه في إبقاء الكأس في خزائنه.هي مسألةٌ بدت واضحة من خلال الأرقام في مكاتب المراهنات التي تعدّ جزءاً لا يتجزأ من كرة القدم الإنكليزية، إذ قبل انطلاق الموسم توقّع 4 من أصل 11 شخصاً تربّع السيتي على الصدارة مع انتصاف البطولة، قبل أن يرتفع هذا الرقم أخيراً إلى 8 من 11 شخصاً، ويرتفع بالتالي عدد واضعي الرهانات على تتويجٍ آخر للفريق المملوك إماراتياً.
الأسباب تتعدى الكلام الفني البسيط لتحاكي ظروفاً مختلفة وضعت السيتي في مكانٍ متفوّقٍ على غيره من المنافسين، وأبسطها طبعاً ثبات مستواه مقابل فترات صعود وهبوط عرفها مثلاً ليفربول وتشلسي، إلى جانب تقهقر المنافسين الآخرين إلى مراكز متأخرة وبعيدة عن دائرة الأربعة الكبار، وذلك لأسبابٍ بينها تتعلّق بانتقالات غير موفّقة أو بحسابات فنيّة خاطئة أو بسبب الإصابات التي عقّدت الأوضاع العامة.
لذا لا ضير من القول إن الفرصة متاحة يوم الأحد أمام السيتي لتصعيب الأمور أكثر على منافسيه المباشرين، وهو الذي يبدو مرشحاً منطقياً لتخطي ليستر بسبب الفارقِ في المستوى بين الفريقين وتراجع الأخير إلى المركز التاسع حيث يقف على مسافة 22 نقطة من المتصدر.

تفوّق «بيب» ولاعبيه
خمسة أسباب رئيسية تجعل فريق المدرب جوسيب غوارديولا الأوفر حظاً لرفعِ الكأسِ الغالية في نهاية المشوار، وأول هذه الأسباب هو وجود «بيب» ولا أحد غيره على رأس الجهاز الفني للفريق بحيث أصبح يعرف تماماً كيفية الفوز باللقب الإنكليزي الذي يحتاج إلى تشكيلةٍ قوية من اللاعبين، وهو بالفعل خلق عُمقاً في تشكيلته بحيث يمكنه إشراك 11 لاعباً مختلفاً في كل مباراة من دون أن تتأثر حساباته الفنية وتالياً النتيجة النهائية بشكلٍ كبير.
هذه المسألة تبدو مفصلية، وترتبط أيضاً بذكاء المدرب الإسباني الذي يعرف كيفية اختيار الأسماء المناسبة لتشكيلته، والأهم أنها أسماء يمكنها الانسجام مع بعضها البعض، بحيث يصعب تحديد من هو اللاعب النجم في الفريق لأن كل لاعب لديه دور مهم ومؤثر، وتالياً كل لاعب لديه دور أساسي وآخر احتياطي بحسب ما تقتضيه الحاجة أي وضع المباريات المختلفة.
أما السبب الثاني فهو اللاعبون أنفسهم، فمباراة بعد أخرى يظهر بأنهم لم يكتفوا بالألقاب التي أحرزوها ولا الأهداف التي سجلوها، فإذا أخذنا آخر مباراتين للفريق في «البريميير ليغ»، نجد أنه بعدما سحق ليدز يونايتد بسبعة أهدافٍ نظيفة، ضرب نيوكاسل يونايتد بالأربعة وسعى إلى المزيد من الأهداف في هذه المباراة. أضف أن التشكيلة الحالية تشبه غوارديولا من حيث معرفة تعاطي اللاعبين مع الظروف الصعبة بفعل امتلاكهم خبرة الفوز وإحراز الألقاب، إذ إن 13 لاعباً منهم لعبوا دوراً رئيساً في إحراز لقب الموسم الماضي.
والسبب الثالث يرتبط بما سبقه، وهذا يعني أنه على «بيب» معرفة اختيار الأكثر جاهزية وتوظيف كل لاعب بشكلٍ صحيح لكي يحصل على النتيجة المرجوّة، وهذا ما ثبُت من خلال ظهور الأزرق السماوي الأكثر توازناً بين كل فرق الدوري انطلاقاً من قدرة أكثر من لاعب على اللعب بمراكزٍ مختلفة، ما أفضى إلى عدم اهتزاز شباكه أكثر من 9 مرات، ليكون صاحب أفضل دفاع، إضافةً إلى كونه صاحب ثاني أفضل هجوم بعد ليفربول بتسجيله 44 هدفاً.

نجومٌ ومواهب
السبب الرابع هي النجومية المطلقة أقلّه للاعبٍ واحد في كل مركزٍ في التشكيلة الأساسية، ابتداءً من الحارس البرازيلي إيدرسون الذي يعتبره كثيرون الأفضل في «البريميير ليغ»، ومروراً بالمدافع البرتغالي روبن دياش الذي اختير لاعب الموسم في إنكلترا وأفضل مدافع في مسابقة دوري أبطال أوروبا، ووصولاً إلى الدوليين رحيم سترلينغ وجاك غريليش والمتعدد المواهب البلجيكي كيفن دي بروين، وطبعاً النجم الجزائري رياض محرز.
الأزرق السماوي الأكثر توازناً بين كل فرق الدوري الإنكليزي لخمسة أسباب رئيسية


هذه الأسماء الأخيرة تكفي أصلاً لخطف أي لقبٍ، فهي تشكّل توليفة هجومية رهيبة، فوجد غوارديولا نفسه بغنى عن استقدام مهاجمٍ لتعويض رحيل الهداف التاريخي للنادي الأرجنتيني سيرجيو أغويرو إلى برشلونة قبل أن يعتزل أخيراً بسبب مشاكل في القلب. وقد يكون السيتي الوحيد في الدوري الإنكليزي الذي يملك رأس حربة صرف واحد وهو البرازيلي غابريال جيسوس، الذي يقوم بدورٍ جيّد، لكن رغم عدم وجود منافسٍ له في مركزه، لا يمكن اعتباره أهم من سترلينغ أو دي بروين أو محرز الذين يشكّلون مجموعة متنوّعة من المواهب ومختلفة الطباع والقدرات الكروية، الأمر الذي يعدّ نقطة قوة استثنائية للسيتي.
كما ينسحب هذا الأمر على المواهب الشابة الموجودة في الفريق، إذ إنه في كل موسم تقريباً لا يتردّد غوارديولا في الدفع باسمٍ شابٍ جديد، فكما فعل مع فيل فودين الذي تحوّل إلى أهم أركان الفريق، قدّم هذا الموسم كول بالمر الذي أظهر إمكانات واعدة.
وختاماً مع السبب الخامس والأخير وهو ما شهدته مواسم سابقة من فشلٍ على الساحة الأوروبية من خلال عدم تحقيق الحلم الأكبر أي الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، ليرمي السيتي بالتالي بثقله على الساحة المحلية متفرّغاً لخطف اللقب من أجل تعويض المال الكثير الذي يدفعه المالكون الإماراتيون وعدم الخروج خالي الوفاض في ختام الموسم.
اليوم وعلى أعتاب المرحلة الأخيرة ذهاباً، يبدو «السيتيزنس» بنفس الصورة التي منحتهم لقب الموسم الماضي، وقد ترجم هذا الكلام نجم خط الوسط الألماني إيلكاي غوندوغان بقوله أخيراً: «يمكننا الفوز بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز كل سنة». عبارةٌ قد يعتبر البعض فيها الكثير من الغرور لكن الواقع يقول العكس ففيها الكثير من الحقيقة.