خمس مباريات كبيرة خاضها منتخب لبنان أخيراً بين مدينة صيدا الجنوبية والعاصمة القطرية الدوحة. مواجهات رسمية مع خصومٍ غير عاديين، كانت حصيلتها النهائية انتصاراً يتيماً مقابل 4 هزائم.بالصورة قد تكون هذه الأرقام التي لا تحتاج الى حسابات معقّدة بمثابة الكارثة اذا ما ارتبطت بمنتخبٍ آخر في عالمنا العربي او في اوروبا مثلاً، لكن لا في لبنان حيث كانت الأجواء الايجابية طاغية رغم كل الخيبات التي كانت ممزوجة بالصدمات الناتجة هنا من خسارة في الوقت القاتل، وهناك من ركلة جزاء قاسية.
أمران أساسيان كانا وراء هذا «التسامح» مع «رجال الأرز»، أوّلهما أن المنتخب كسب تعاطفاً استثنائياً من الشعب اللبناني عامةً الذي كان بحاجةٍ إلى رؤية مجموعة من الشبان الشجعان يحملون علمه الى الساحة العالمية، ويخرجونه من حالة الكآبة التي أصابت شريحة كبيرة من المجتمع الذي رأى في المنتخب نافذة أمل، وربما حالةً تشير الى أن الأمور لا تزال طبيعية وعلى ما يرام او أنها ستعود يوماً الى ما كانت عليه.
أما الأمر الثاني فهو ادراك الرأي العام سلفاً أنه في ظل الظروف الحالية لا يمكن ان نضع المنتخب تحت الضغط ونطلب منه تحقيق المعجزات، امام منتخباتٍ قادمة من بلدانٍ مستقرّة كروياً، واجتماعياً، ومالياً، فكانت الخسائر مبررة في مكانٍ ما.

التوازن مطلوب
لكن هل قدّم المنتخب ما يمكن التوقف عنده للقول بأنه ربما كان على الجمهور اللبناني ان يطلب او ينتظر أكثر؟
الواقع هناك شيء من هذا القبيل، اذ ان الأداء الذي عكسه المنتخب في المباريات الخمس الأخيرة، ترك انطباعاً بأنه كان بالإمكان الخروج بأفضل مما كان. صحيحٌ ان رجال المدرب التشيكي إيفان هاشيك لم يقدّموا عروضاً هجوميةً كبيرة تسمح للمتابعين بالقول انه كان من المفترض عليهم حصد الانتصارات امام ايران والامارات ومصر والجزائر، لكن جودة التنظيم الدفاعي واللعب بطريقة جماعية والتناغم بين افراد التشكيلة، حوّلت النتائج الى خيبات لأن من كان يتوقّع حتى الأمس القريب ان يسقط المنتخب بنتائج كبيرة في مبارياتٍ من هذا النوع، توقف مليّاً عند هذه الفكرة وأعاد حساباته بعدما بات مقتنعاً بأن لبنان كان قادراً على الخروج أقلّه بتعادلٍ في أكثر من محطة آسيوية وعربية.
طبعاً لعب الحظ دوره في مكانٍ ما، لكن الواقعية ايضاً كانت حاضرة في حسابات هاشيك الذي لعب متحفّزاً في محطاتٍ عدة، آملاً الخروج بأفضل الممكن، فكان الأفضل بالنسبة الى الخبراء هو خلقه منتخباً منظّماً دفاعياً، بدا بلا شك سريعاً بصورةٍ مغايرة، ما يعني ان التشيكي قام بعملٍ جيّد.
كسب المنتخب تعاطفاً من الشعب اللبناني الذي «تسامح» معه


لكن في المقابل، كانت كأس العرب محطة مهمة لبدء العمل على ايجاد التوازن المطلوب بين الدفاع والهجوم وتجربة مقاربة استراتيجية جديدة تترجم الجودة الموجودة في التشكيلة وتزرع في فكر اللاعبين عقلية الفوز، وذلك من خلال المبادرة الى الهجوم بشكلٍ اكثر جرأة، وذلك لاكتشاف ايضاً ما يمكنهم تقديمه اذا ما خلطوا بين الواجب الدفاعي المحسوب بدقة وبين نظيره الهجومي المفقود احياناً والمطلوب بشكلٍ ضروري.

المكاسب فردية
بطبيعة الحال، لم تطلّ المقاربة الجديدة حتى مباراة السودان اذا صحّ التعبير كون الخصم الأخير كان الأضعف بين كل المنتخبات الآنفة الذكر، لكن التغيير المفيد جاء من بوابة اخرى، وهي تلك المرتبطة بالأسماء الموجودة، لتكون الإفادة عملياً من المشاركة في البطولة الإقليمية، هي في التعرّف أكثر إلى قدرات بعض اللاعبين الذين لم يأخذوا إما دوراً أساسياً أو احتياطياً في فتراتٍ سابقة.
من هنا، أدرك هاشيك وجهازه الفني أن غياب اسماء كبيرة عن خط الدفاع للإصابة او اي سببٍ آخر يمكن ان يعوّضها لاعبون مجتهدون مثل ماهر صبرا وحسين الدرّ اللذين استغلّا فرصتهما على أكمل وجه. كذلك، كان إعطاء الفرصة للظهير الأيسر حسن شعيتو «شبريكو» مهماً جداً لأن كأس العرب أعادته الى الحياة وزرعت الثقة فيه بعد فترةٍ صعبة كان فيها حتى خارج الحسابات الأساسية لفريقه الأنصار الذي سيستفيد بدوره من مشاركته في المحطة العربية.
كما أكدت بطولة الدوحة أن هناك أسماء يعتمد عليها في اي ظرفٍ كان على غرار عباس عاصي الذي قدّم مستوى طيّباً مع مشاركته بأرقامٍ لافتة على صعيد التمرير، وذلك رغم انه كان بلا شك في وضعٍ نفسي غير عادي تزامناً مع وفاة المدير الفني لفريقه شباب الساحل الحاج محمود حمود.
أما الأهم بالنسبة الى الرأي العام فكانت رؤية ربيع عطايا يشارك أساسياً ويستعرض مهاراته متلاعباً بأسماءٍ مصرية وجزائرية معروفة على أرض الملعب، وهي مشاهد تضع الجهاز الفني في المرحلة المقبلة امام ايجاد دورٍ مدروس ومحدّد بدقة لنجم الأنصار والعهد السابق لكي تتمّ الاستفادة منه الى اقصى حدّ بعدما بدا انه لا يهاب احداً، متسلحاً بفنياته وجرأته في المراوغة ومواجهة الخصوم.
كل هذا يضاف الى مشاركات اخرى مطمئنة على صورة اشراك ثنائي النجمة علي السبع ومهدي زين في مواجهة السودان، اضافةً الى الوصول إلى توليفات دفاعية محددة وأخرى في خط الوسط يمكن ان تكون ناجحة في اي ظرفٍ من خلال اختيار ثنائيات قوتها في التفاهم كتلك التي تجمع مثلاً الأخوين أليكس وفيليكس ملكي، وهما مرةً جديدة أكدا انهما لبنانيان بامتياز من خلال بسالتهما على أرض الملعب، وأكدا ايضاً أن اللاعب المحترف في الخارج هو مكسب، اذ يمكن الجزم بأن لبنان لو لعب بتشكيلته الكاملة مع محترفيه الغائبين لخرج بنتائج افضل بكثير.
المهم ان الاستفادة كانت حاضرة وميزان الإيجابيات يطغى على السلبيات في بعض المحطات. لكن هذه الاستفادة لن تكون نهائية اذا لم يتمّ العمل بشكلٍ حثيث على النقاط الايجابية وتحويلها الى مكامن قوة في الفترة المقبلة، وذلك في موازاة ايجاد الحلول للحلقات المفقودة وعلى رأسها طبعاً الحلقة الهجومية حتى تسقط الأقاويل السائدة التي تختصر ما يقدّمه لبنان بصورةٍ واحدة وهي الدفاع ولا شيء سواه.