عام 2015 كانت لحظة الوداع. القائد التاريخي لليفربول يعلّق القميص الأحمر الذي يحمل الرقم 8 بعدما ارتداه في 710 مباريات في المسابقات المختلفة.دافع ستيفن جيرارد باستبسال عن هذا القميص وبقي لسنواتٍ وفيّاً له، قبل أن يخرج لتجربة «الحلم الأميركي» مع لوس أنجلس غالاكسي. بالفعل دفاعه عنه كان بمثابة قادة الجيوش القدامى الذين تحصّنوا في قلعةٍ كان اسمها في حالته «أنفيلد رود»، فأصبح كلّ منتقلٍ الى الفريق أو راحلٍ عنه في عداد عسكر جيرارد الذي كانت له معاركه الرابحة في حروبٍ كثيرة خاضها، ولعل أبرزها أنه رفع في نهايتها كأس دوري أبطال أوروبا.
شخصية جيرارد في الملعب تركت دلالات بأنه لن يغيب طويلاً عن ملاعب كرة القدم عند اعتزاله اللعب، وهو ما حصل بالفعل مع انتقاله بشكلٍ فوري الى عالم التدريب حيث حصد نجاحات سريعة أيضاً، كان آخرها قيادته غلاسغو رينجرز الى لقب الدوري الاسكوتلندي للمرّة الـ 55 في تاريخه، قبل أن يتحدى نفسه بقبول الانتقال الى فريقٍ متقهقر مثل أستون فيلا.
غداً سيعود جيرارد الى المكان الذي ارتبط باسمه طوال 17 عاماً (1998-2015)، في لقاءٍ عاطفي الى أبعد الحدود كونه الأول منذ رحيله عنه، وهي زيارة لم يتوقف عندها المتابعون إلا عند المشهد المنتظر لدخوله الى «أنفيلد»، حيث اعتاد على لمس اللوحة التاريخية فوق النفق المؤدي الى أرضية الميدان، فكان السؤال حول المسار الذي سيسلكه والمقعد الذي سيجلس فيه والمكان الذي سيشغله، من دون أن يكترث أحدٌ لترتيب الفريقين البعيدين على اللائحة بحيث يحتل «الحمر» المركز الثاني بفارق نقطة واحدة خلف مانشستر سيتي، بينما يقف أستون فيلا في المركز العاشر.

قلقٌ في ليفربول
فعلاً الترتيب هنا لا يهمّ لأن الكل في إنكلترا يصوّب على عنوانٍ واحد: جيرارد ضد ليفربول.
لكن السؤال الكبير هو: هل يجب أن يقلق فريق المدرب الألماني يورغن كلوب من المدرب الشاب الذكي الذي ترك بصماتٍ سريعة في «البريميير ليغ»؟
الواقع أن القلق يجب أن يكون حاضراً لأن جيرارد أكد في مبارياته الأولى مع فريقه الجديد أن قيادته لرينجرز الى اللقب المحلي لم تكن وليدة الصدفة، فأستون فيلا فاز معه بثلاثٍ من أصل أربع مبارياتٍ خاضها بإشرافه، وهو نفس عدد الانتصارات التي أحرزها بإشراف مدربه السابق دين سميث، لكن في 11 مباراة، فكانت الخسارة الوحيدة للمدرب الجديد منطقية كونها جاءت أمام مانشستر سيتي البطل والمتصدر الحالي.
للمرّة الأولى منذ تركه في عام 2015 يعود جيرارد إلى ملعب ليفربول


القلق أيضاً يجب أن يحلّ عندما نعلم بأن جيرارد جمع أفكاراً كثيرة من المدربين الذين تعاقبوا على تدريب «الريدز»، من الفرنسي جيرار أوييه الى الإسباني رافايل بينيتيز، وصولاً الى كلوب الذي أفسح له المجال للتدريب بمنحه فرصة الإشراف على فرقٍ في الأكاديمية.
هذه التوليفة قد تجعل منه أول مدربٍ لأستون فيلا يحقق فوزين متتاليين خارج ملعبه فور تسلّمه مهامه، وذلك منذ أن نجح في هذا الأمر جون غريغوري عام 1998، لكن هذه المسألة تتوقف عند خياراته الفنية، فالفارق كبير بين فريقٍ يقوده متصدر هدافي «البريميير ليغ» أي النجم المصري محمد صلاح الذي سجل 13 هدفاً من أصل 44 للفريق الأقوى هجومياً في الدوري، وبين خصمٍ دخل مرماه أهداف أكثر مما سجّل بواقع 24 هدفاً تلقّاها مقابل 21 هدفاً سجلها.

مرونة استراتيجية
وانطلاقاً من المباريات التي قاد فيها أستون فيلا، يُنتظر أن يلجأ جيرارد الى الضغط العالي مع دمج كل الخطوط في هذه العملية عبر الاعتماد على خط دفاعٍ متقدّم، وذلك في موازاة مرونة استراتيجية تعتمد على خطتين 4-3-3، و4-2-3-1. كل هذا مع التشديد على تسريع إيقاع اللعبة في منطقة الوسط للبحث عن خط التمرير ومن لمسةٍ واحدة أحياناً لإفساح المجال أمام مشاركة الظهيرين في الحالة الهجومية، وهو ما يخلق إرباكاً للخصم في عملية التموضع الدفاعي، وخصوصاً في ظل وجود ظهيرٍ (أيسر) مثل المخضرم أشلي يونغ الذي يملك فكراً هجومياً بعدما قضى معظم فترات مسيرته لاعباً في مركز الجناح.
هذه المسائل تبدو مفصلية في هذه المرحلة الانتقالية بالنسبة الى أستون فيلا الذي تغيّرت هويته الهجومية مع رحيل نجمه جاك غريليش الى مانشستر سيتي بصفقة ضخمة، ما أعطى جيرارد فكرة إشراك أكبر عددٍ ممكن من اللاعبين في الحالة الهجومية بهدف تعويض النقص في مركز لاعب الوسط ــــ المهاجم، وهو ما سبق أن فعله مع رينجرز أصلاً إلى درجةٍ تمكن الظهير الأيمن الإنكليزي جيمس تافرنييه من تسجيل 12 هدفاً خلال الموسم الماضي، بينما وصلت مساهمات الظهير الأيسر الكرواتي بورنا باريسيتش الى 7 أهداف.
بالفعل هو يملك جرأة هجومية، لكنه لا يمكنه أن يهمل التوازن الدفاعي المطلوب الى أبعد الحدود أمام صلاح وزملائه القادرين على التسجيل في أي أوضاعٍ متاحة، ومنها عبر الكرات الثابتة التي تعدّ نقطة ضعف أستون فيلا الذي تلقى 6 أهداف من خلالها قبل وصول جيرارد أي ما يعادل 30 بالمئة من الكرات التي هزّت شباكه. وهنا تبرز إحصائيات دفاعية أخرى، إذ مع جيرارد لم يتلقّ مرمى رينجرز إلا هدفاً واحداً من كرة ثابتة طوال الموسم الماضي، والذي شهد أيضاً اهتزاز شباكه 13 مرّة فقط بفعل المنظومة الدفاعية الضاغطة جماعياً التي خلقها هناك في العاصمة الاسكوتلندية.
طبعاً يعرف جيرارد أكثر من أيّ مدربٍ زائرٍ آخر صعوبة المهمة في «أنفيلد» حيث سقط أستون فيلا في آخرِ 3 زياراتٍ له الى هناك، اضافةً الى سقوطه في ستٍ من مواجهاته السبع الأخيرة مع ليفربول في «البريميير ليغ»، متلقياً أقلّه هدفين في كلٍّ من هذه المباريات. لكن مع التركيبة الموجودة، يبدو أن الفريق «النبيذي» قادر على تغيير المعادلة لأنه يلتقي كثيراً مع أفكار جيرارد لا كما كان حال الأساطير الآخرين لليفربول الذين قَدِموا مع فرقهم لمواجهته على أرضه كمدربين حيث خسروا في 14 من آخر 16 زيارة الى ذاك الملعب التاريخي، فكان آخر الفائزين هناك «الملك» كيفن كيغان عندما قاد مانشستر سيتي للتغلب على الفريق الذي صنع معه مجده لاعباً في شهر أيار من عام 2003.