اختارت الإدارة الأميركية واحدة من أكبر التظاهرات الرياضية والثقافية حول العالم، لكي تتخذ موقفاً معارضاً من الصين، علّها تنجح في تسليط الأضواء على ما تعتبره حقيقة، وتدفع بعض الدول إلى فتح جبهة مع بكين. واشنطن أعلنت أنها ستقاطع الألعاب الأولمبية الشتوية المقررة في الصين دبلوماسياً، بسبب ما وصفته بتجاوزات لحقوق الإنسان بحق أقلية الإيغور في منطقة شينجيانغ الصينية، وهو ما تنفيه بكين باستمرار. القرار الأميركي لا يعني أنها ستمنع الرياضيين الأميركيين من الحضور في الأولمبياد، إنما ستمتنع عن حضور حفلَي الافتتاح والختام وبعض الفعاليات بالتمثيل الرسمي. وعلى المنوال الأميركي نسجت كل من أوستراليا وبريطانيا وكندا، لكن القرار الرافض جاء من فرنسا التي أعلنت أنها لن تقاطع دبلوماسياً الأولمبياد الشتوي المقرر في شباط المقبل.وفي وقت وقفت فيه «دول المقاطعة» خلف شعار انتهاكات حقوق الإنسان الذي دائماً ما ترفعه واشنطن وحلفاؤها، رأت جهات عدة أن القرار الأميركي هو سياسي بامتياز، ويأتي على خلفية الصراع المستمر بين القوتين الدوليّتين وخوف الأميركيين من تنامي قدرات الصين العسكرية وسيطرتها الاقتصادية المتزايدة. كما أن هذا القرار يأتي كاستمرار لمحاولة محاصرة الصين على مختلف الصعد، من أجل عزلها عن غيرها من الدول. أما القرار الأوسترالي فعزته مصادر عدة الى قضية الغواصات، وذلك حين امتنعت أوستراليا قبل فترة عن شراء غواصات فرنسية، لتشتري بعدها غواصات أميركية قادرة على حمل رؤوس نووية بعد اتفاق مع واشنطن ولندن، وهو ما أدى إلى توتر كبير مع الصين.
رفضت فرنسا السير على خطى أميركا ومقاطعة الأولمبياد دبلوماسياً


وما يثبت صوابيّة الخلفية السياسية لهذه القرارات من واشنطن وحلفائها بحسب مراقبين، هي حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهذه الألعاب الشتوية التي تنطلق في الرابع من شباط المقبل وتنتهي في العشرين منه، تلبية لدعوة من نظيره الصيني، وهو ما استفز العديد من العواصم الغربية.
هذه الحملة الكبيرة التي تقودها واشنطن ردت عليها بكين بشكل حاسم. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وينبن خلال مؤتمر صحافي ظهر أمس، حضرته وسائل إعلام عالمية عديدة، إن الدول المقاطعة ستدفع ثمناً كبيراً لقرارها، وأضاف «استخدام الولايات المتحدة وأوستراليا وبريطانيا وكندا ساحة الألعاب الأولمبية لغايات تلاعب سياسي أمر لا يحظى بشعبية ويصل إلى حد عزل نفسها. سيدفعون حتماً ثمن هذه الخطوة السيئة». وتابع المسؤول الصيني «سواء حضر ممثلوهم الرسميون أو لا، فان الألعاب الشتوية في بكين ستكون ناجحة. الرياضة لا علاقة لها بالسياسة. الألعاب الأولمبية هي تجمع كبير للرياضيين وعشاق الرياضة وليست مسرحاً للسياسيين لتقديم عرض».
وعلى ضوء هذه التطورات، من المرجّح أن يكون هناك حلقات إضافية من مسلسل التشويش الأميركي على الأولمبياد الشتوي الذي تستضيفه الصين، والذي لا يختلف اثنان على أن هدفه الرئيسي هو إيصال رسائل سياسية والضغط على دول تابعة لاتخاذ موقف معاد للصين وروسيا. حملات لن تحدّ من عزم الصينيين على تنظيم أولمبياد ناجح، على غرار أولمبياد بكين الصيفي عام 2008 والذي يعتبر حتى الآن الأفضل على الإطلاق.