اشتهرت ألمانيا بنظامها الجيد في تنمية مواهب كرة القدم الشابة، وقد تعزّز ذلك بعد فشل المنتخب الوطني في يورو 2000. حثّ الاتحاد الألماني حينها على «إحياء» كرة القدم للشباب عبر إنشاء مراكز لتقييم الكفاءة في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي سمح بمشاركة المواهب الشبابية في أندية القرى المحلية للوصول إلى تدريب مؤهل من قبل اتحاد الكرة. هكذا، زاد عدد اللاعبين الواعدين وساهموا تباعاً في تتويج المنتخب الألماني بلقب كأس العالم عام 2014، كما قلّ اعتماد الأندية الألمانية على الصفقات «الجاهزة» في أسواق الانتقالات لتنخفض نفقاتها بالتالي بشكل ملوظ جداً مقارنة بغيرها من الدوريات.أحد الفرق التي برزت في هذا المجال هو باير ليفركوزن، الذي كان بمثابة منصة لإنشاء وتصدير المواهب «الألمانية وغير الألمانية» الواعدة. في الماضي القريب، لمع العديد من الأسماء الشابة في النادي أمثال أرتورو فيدال، توني كروس، كيفن كامبل، بنجامين هنريكس... وليس انتهاءً بمسجّل هدف التتويج في نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي لصالح تشيلسي الإنكليزي كاي هافرتز، الذي تم تعويضه بأحدث مواهب الفرق الناشئة الشاب فلوريان فيرتز. ورغم احتواء النادي حالياً العديد من اللاعبين الشباب في منظومة المدرب جيراردو سيوان مثل جيريمي فريمبونغ (20)، أوديلون كوسونو (20 عاماً) وميتشل باكر (21) وباولينيو (21)، يبقى الضوء مسلطاً على فيرتز تبعاً لأرقامه البارزة.
انتقل نجم كولن للفئات الشبابية فلوريان فيرتز إلى نادي باير ليفركوزن في يناير/كانون التاني 2020 على أن يلعب للفريق تحت 19 عاماً. ولكن بعد بضعة أشهر، رأى مدرب ليفركوزن ما يكفي من الشاب لمنحه أول مباراة رسمية مع الفريق الأول بعد أسبوع واحد فقط من بلوغه سن الـ17 عاماً. هكذا، أصبح فيرتز أصغر لاعب في النادي يظهر في مباراة تنافسية كبيرة، وقد عزز مكانه في تشكيلة الفريق الأول بسرعة ليجذب اهتمام كبار الأندية الأوروبية.

استخدام التكنولوجيا
لم يكن إنتاج ليفركوزن لمواهب صاعدة ومميزة وليد الصدفة، بل تم عبر سياسات مدروسة بمساعدة التكنولوجيا لتنمية تلك المواهب. وفي هذا الإطار، أوضح رئيس أكاديمية تحليل المباريات في النادي، جيلبرت جورجز، أن إحدى الركائز الأساسية لفلسفة تطوير المواهب لدى ليفركوزن هي التنشئة «الذكية»، موضحاً أن «لا نخبر اللاعبين بما عليهم فعله بالضبط في كل موقف على أرض الملعب، لأن هناك الكثير في كرة القدم، لكننا نشجعهم على تقديم إجاباتهم الخاصة»، ثم أضاف «أعتقد أن هذا النهج أكثر فائدة لأنه يطور لاعباً واسع المعرفة ومستقلّاً. لا يمكنك التنبؤ بجميع المواقف التي يواجهها اللاعبون أثناء اللعبة، ولكن يمكنك تزويدهم بالأدوات والمعرفة. وبعد ذلك يتحمل اللاعبون المسؤولية لاتخاذ القرارات على أرض الملعب».
يتم تتبع التقدم الذي يحرزه جميع فرق الشباب من خلال جمع البيانات والإحصاءات وصياغة التقارير


تجدر الإشارة إلى تنفيذ نفس أساليب التدريب من الأكاديمية وصولاً إلى الفريق الأول، لكي لا يشعر اللاعبون الشباب بأيّ اختلاف في حال تمت ترقيتهم في سلم الفرق. ووفقاً لما ذكره جورجس، لا تركّز فلسفة النادي فقط على الاستحواذ ولكن على خلق فرص عالية الجودة لتسجيل الأهداف، ويتم تتبع التقدم الذي تحرزه جميع فرق الشباب من خلال جمع البيانات وصياغة التقارير (يتم استخدام الإحصاءات والفيديو بعد التدريبات وقبلها). يمتلك النادي ميزة إخراج لتتبع الفرص التي تم إنشاؤها لصالح، وضد الفريق، بالإضافة إلى أي بيانات أخرى، ويقوم المسؤولون عن تحليل التدريبات والمباريات بتحديث المدربين بمدى تقدم أسلوب الشباب، حيث يتم عرض تفاصيل مثل النسبة المئوية للفرص التي تم إنشاؤها، كما يتم عرض البيانات على اللاعبين أنفسهم لمساعدتهم في فهم أسلوب اللعب.

ميزانية إضافية للنادي
يتبنى ليفركوزن فلسفة الإدارة الاستثمارية، حيث تتم تنمية المواهب الشابة بهدف بيعها مستقبلاً مقابل أسعار مضاعفة. بهذا الأسلوب، يكون النادي قادراً على استغلال المواهب والاستفادة منها على المدى القصير، ومن ثم تحصيل عوائد كبيرة جراء بيعها. كاي هافرتز هو آخر نماذج النادي الاستثمارية الناجحة، حيث نشأ ابن الـ22 عاماً وترعرع في باير ليفركوزن قبل أن ينتقل إلى نادي تشيلسي الإنكليزي في موسم 2020/2021 مقابل 80 مليون يورو. هذا المال الوفير ساعد النادي في التخفيف من حدّة تداعيات أزمة كورونا على الميزانية، وهو ما عكس صحة السياسة المعتمدة من قبل الفريق الطامح لتحقيق أعلى مركز محلي متاح بأقل التكاليف الممكنة.
النادي يقدم مستوى جيداً هذا الموسم، وحتى في المواسم الماضية، إلا أنه يبقى بعيداً عن الألقاب ـ حالياً على الأقل ـ كون سياسة حصد البطولات تحتاج إلى مزيد من الإنفاق على شراء لاعبين جاهزين ويمتلكون الخبرة، وقادرين على تحقيق الفوز في المباريات والبطولات الصعبة.