لا يعدّ اللقاء الذي يجمع يوفنتوس مع تشيلسي لقاءً كلاسيكياً نظراً إلى ندرة المواجهات بين الفريقين، أقلّه في الألفية الجديدة. ورغم الاختلاف الكبير في تاريخ وثقافة الناديين الكروية، يتشارك الطرفان ميزةً جوهرية: حسن الإدارة.لطالما انفردت إدارتا تشيلسي ويوفنتوس بأساليب مختلفة عن باقي إدارات الأندية الأوروبية. ظهرت قوّة يوفنتوس بعد فضيحة «الكالتشيوبولي» التي أسقطت الفريق إلى دوري الدرجة الثانية إثر تلاعبه بالنتائج. ورغم الصعوبات والضغوط الكبيرة، عاد يوفنتوس بأقل الإمكانات الممكنة ليتربّع على عرش الكرة المحلية خلال فترة قصيرة، وذلك عبر الثبات الإداري والإنفاق الرشيد في سوق الانتقالات (استقدام العديد من اللاعبين الفعّالين بشكلٍ مجاني).
من جهته، اشتهر تشيلسي بسياسة الاستثمار عبر إعارة اللاعبين وكانت تلك السياسة بمثابة «ميزانية إضافية» للفريق، الأمر الذي ساهم في استقرار النادي مادياً رغم مختلف التداعيات. «دهاء» الإدارتين ساهم في النجاح والاستمرار حتّى قلب كورونا موازين القوى، ليسقط يوفنتوس بالفخ مقابل «نجاة» تشيلسي.
يمتلك الناديان أحد أبرز الملّاك وأكثرهم جدلاً في عالم كرة القدم: أندريا أنييلي ورومان أبراموفيتش. وبعيداً عن ارتباط اسميهما «بالمافيا» الإيطالية والروسية، إضافةً الى مزاعم تورطهما بقضايا فساد معلّقة، برز المالكان في عالم المستديرة إثر تميّزهما في حسن الإدارة والتخطيط. عوائق وعقبات مختلفة واجهت الناديين على فتراتٍ متقطّعة، لم توقف أنييلي وأبراموفيتش عن حصد الألقاب وذلك تبعاً لمتانة النظام الإداري، غير أنّ السنوات الأخيرة أظهرت تفوق إدارة تشيلسي على نظيرتها الإيطالية بعد التخبّط في الهيكلية الإدارية لنادي السيدة العجوز.
يوفنتوس ــــ ماروتا مختلف كلياً عن يوفنتوس الحالي. كانت الأمور واضحة أكثر مع المدير العام الأسبق للنادي. صفقاتٌ مدروسة ذات فاعلية كبيرة ضمنت استمرار التربّع على عرش الدوري في ما مضى، وهو ما يفتقده اليوفي اليوم. تنحّى ماروتا عن منصبه بعدما مال أنييلي إلى قرارات المدير الرياضي السابق فابيو باراتيتشي (غير الصائبة)، فسقط يوفنتوس.
ارتبطت إدارتا اليوفي وتشيلسي بالمافيا الروسية والإيطالية على مدى سنوات


يتّضح جلياً تراجع الأداء الإداري في «اليوفي» خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً بعد رحيل ماروتا، وقد ساهمت تداعيات كورونا في كشف «المستور». النادي غير مستقر مالياً بفعل ندرة العائدات وارتفاع النفقات التي تفاقمت مع مجيء رونالدو (عارض ماروتا استقدام اللاعب البرتغالي نظراً إلى سعره وأجره المرتفعين مقارنةً بسنّه)، وقد زادت الأمور صعوبة بعد فشل المشروع القائم لتحقيق دوري أبطال أوروبا. قامت الإدارة بعدها بعدّة خطواتٍ «عشوائية» فأقالت المدرب ماسيميليانو أليغري مقابل تعيين ماوريسيو ساري، ثمّ أقالت ساري وعيّنت أندريا بيرلو الذي يفتقر إلى أي خبرة تدريبية تذكر، ما ساهم تباعاً في فشل الفريق محلياً أيضاً وتدهور الأوضاع المالية أكثر. قرار تعيين بيرلو جاء من أنييلي نفسه، الذي سرعان ما اكتشف خطأه الفادح، فعمد الى تعيين مدرب الفريق الأسبق أليغري، أملاً بتصحيح المسار. وفي ظل صعوبة الدعم في سوق الانتقالات، سيتوجب على أليغري استغلال الموارد المتاحة والسعي للظفر ببطولة محلية أو أوروبية (رغم صعوبة الأمر)، أملاً بتحقيق عائدات تساعد على نهوض الفريق مجدداً. هي فترة صعبة على يوفنتوس. المشروع الأوروبي فشل فشلاً ذريعاً وأثّر سلباً على المسار المحلي، لكن الصحوة غير المتأخرة لأنييلي قد تهدّئ من وقع العاصفة. أُقيل باراتيتشي من منصبه وجرى تعويضه بفيديريكو كيروبيني الذي تسلّم منصب المدير الرياضي، فيما تسلّم منصب المدير التنفيذي ماوريتسيو أريفابيني، المدير العام السابق «لفيراري». هدف أنييلي الأساسي هو احتواء الخسائر التي سُجّلت بسبب تداعيات كورونا وعدم تحقيق عائدات الألقاب المعتادة، وقد ضخّ النادي رأسمالاً جديداً بقيمة 400 مليون يورو من شركة «إيكسور» المالكة لأعمال عائلة أنييلي بهدف تعويض الخسائر والعودة إلى الطريق الصحيح، الذي تبدأ أولى خطواته بتجاوز دور المجموعات.


على الجهة المقابلة، أثبتت إدارة تشيلسي مجدداً مدى نجاحها وذلك تبعاً للنتائج الإيجابية وعدم الغياب عن منصات التتويج. لطالما لاقت إدارة أبراموفيتش انتقادات لاذعة إثر اتباعها أساليب «ملتوية» في سبيل الاستمرار، غير أن النجاح المستمر أسكت النقّاد وأنصف «البلوز». اشتهرت إدارة النادي بسياسة شراء المواهب الشابة وإرسالها على سبيل الإعارة ثم بيعها بمبالغ مضاعفة مستقبلاً لتحقق بذلك عائدات مرتفعة. إضافةً إلى ذلك، لاقت سياسة استبدال المدربين بشكل مستمر انتقادات لاذعة في الوسط الرياضي، غير أن تحقيق الألقاب بشكل مستمر أو المشاركة الأوروبية على أقل تقدير في كل موسم أبعدت أسهم الانتقادات مجدداً عن إدارة تشيلسي.
السياسات المعتمدة داخل النادي اللندني أظهرت نموذجاً مثالياً في حسن الإدارة، كما عكست حنكة الكادر الإداري بقيادة المديرة التنفيذية مارينا غرانوفسكايا. يُشهد لأبراموفيتش عدم تأثر الفريق سلباً رغم إعادة هيكلة الإدارة في أكثر من مناسبة، حيث ظلّ الفريق يحصد الألقاب بعد رحيل المدير التنفيذي السابق رون غورلي، إضافةً إلى المدير الرياضي مايكل إيمينالو. نجاح تشيلسي في احتلاله المركز الرابع في الموسم ما قبل الماضي رغم حرمان النادي من إبرام الصفقات حينها، إضافةً إلى نجاحه في استقدام اللاعبين الملائمين للتتويج ببطولة دوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي في ظل تداعيات كورونا يعكس مدى حنكة إدارة البلوز، التي جعلت من الفريق بقيادة المدرب الألماني توماس توخيل قوة مهيمنة في ظل استقرارها المالي مقارنةً بسوء ميزانية أغلب الأندية الأوروبية.
لا شكّ أنّ اختلاف القدرة الشرائية والتسويقية في إنكلترا عما هو عليه الأمر في إيطاليا خدم تشيلسي أكثر من يوفنتوس، غير أنّ انقسام الآراء في إدارة «البيانكونيري» مقارنةً بتنظيم إدارة تشيلسي ساهم في تفوّق البلوز مقابل غرق سفينة أنييلي. يوفنتوس بحاجة إلى مزيدٍ من الوقت للعودة إلى الطريق الصحيح. الفوز بمباراة اليوم سوف يعطي الفريق جرعة معنوية كبيرة لتعديل الأوتار، غير أنّ المهمّة لن تكون سهلة نظراً إلى كمال تشيلسي مقارنةً «بهشاشة» منظومة اليوفي.