شوقٌ كبير لمشاهدة مباراة دولية جديدة مهمة للمنتخب الوطني. هو شوقٌ امتزج بالحماسة والإثارة في مراحل سابقة وتحديداً عند عبور لبنان إلى الدور النهائي من التصفيات المؤهّلة إلى مونديال 2022 ولو بعد مرحلة عصيبة.الشوق نفسه والترقّب زادا بعد عملية سحب القرعة التي أفرزت مواجهة أولى للمنتخب اللبناني مع الإمارات، لتعود مشاهد الذكريات الجميلة 10 أعوامٍ إلى الوراء، وتحديداً إلى 6 أيلول 2011 عندما سجّل محمد غدار وأكرم مغربي ورضا عنتر ثلاثة أهداف في الشباك الإماراتية على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية، ليفوز «رجال الأرز» بنتيجة 3-1 (بعد سقطةٍ قاسية أمام كوريا الجنوبية 0-6)، وتبدأ الرحلة الجميلة باتجاه مونديال البرازيل 2014 قبل أن تشوّهها فضيحة التلاعب الشهيرة التي قضت بشكلٍ أو بآخر على الحلم اللبناني.
اليوم نعود لنستبشر خيراً عشية المواجهة مع «الأبيض»، لكن هناك ما يُقلق بالفعل، إذ أن مسائل عدة لا شك في أنها تشغل البال وتترك قلقاً منطقياً حول حظوظ المنتخب اللبناني في تخطّي العقبة الإماراتية يوم الخميس المقبل وتسجيل بداية مثالية في رحلة تصفياتٍ غير سهلة على الإطلاق.

من تدريبات المنتخب في معسكر الإمارات (موقع الاتحاد اللبناني لكرة القدم)

عموماً يعلم اللبنانيون أن رحلة منتخبهم ستكون شاقّة في مجموعةٍ تضم إضافةً إلى الإمارات، منتخبات كوريا الجنوبية وإيران والعراق وسوريا. كلّها منتخبات تبدو جاهزة لفرض تحديات صعبة إلى ابعد الحدود على المنتخب اللبناني، ففي هذه المجموعة الأولى ليس هناك ما يمكن تسميته بالمنتخب الضعيف أو غير الجاهز، إذ حتى المنتخب السوري انخرط في معسكرٍ مهم في قطر ولعب أمام رديف منتخب الجزائر...
طبعاً الأهم هو أن نستعرض ما لدينا قبل أن ننظر إلى منافسينا، وما لدينا من مشكلات طارئة تترك قناعةً بأن الصعوبات هي أكثر من أي وقتٍ مضى وأكثر تعقيداً بالتأكيد.
وهذه الصعوبات تبدأ من الناحية النفسية للاعبين شدّوا الرحال لتمثيل وطنٍ صعّب حياتهم إلى أبعد الحدود، ولم يقدّم لهم شيئاً يُذكر منذ سنواتٍ عدة مقارنةً بالتضحيات التي قدّموها في محطات دولية عدة. لاعبون يتركون عائلاتهم في ظروفٍ معيشية صعبة بفعل غياب العديد من أساسيات الحياة في لبنان، ما يجعلهم يفكرون بالمسؤوليات التي يتوجّب عليهم القيام بها، وذلك يُسبب لهم قلقاً كبيراً يُشتت أذهانهم في وقتٍ يحتاجون فيه إلى التركيز الكامل لإخراج أفضل ما عندهم على أرض الملعب.
الجانب النفسي مهم جداً، وربما يوازي العمل عليه في هذه الحال ذاك الجانب الفني الذي يمكن السؤال عنه أيضاً، وخصوصاً للناحية البدنية التي يمكن أن يظهر فيها لاعبو المنتخب، إذ أنهم ابتعدوا عن المباريات الرسمية لفترةٍ غير بسيطة. وهذه مسألة ترتبط حصراً بعدم انطلاق الموسم الكروي، وبالتالي يبدو القلق حاضراً هنا لناحية عدم وصول عددٍ من اللاعبين إلى أعلى مستوى فني خاص بحساسية المباريات وروح التنافس الذي يكتسبه اللاعب عادةً من خلال اللعب بكثافة.

من تدريبات المنتخب في معسكر الإمارات (موقع الاتحاد اللبناني لكرة القدم)

ويرتفع منسوب القلق طبعاً إذا ما أخذنا في الحسبان مسألة مفصلية وحسّاسة، وهي الفترة الزمنية التحضيرية القصيرة للإعداد لمباراة مهمة وعالية المستوى من هذا النوع، وخصوصاً مع قدوم مدربٍ جديد هو التشيكي إيفان هاشيك الذي يحتاج إلى فترةٍ أطول للتعرّف إلى اللاعبين وإلى إمكانات كل واحدٍ منهم وإلى كيفية تفاعل أي فردٍ من أفراد المنتخب مع متطلبات المباريات وما يطلبه المدير الفني شخصياً منه. وبالتأكيد وسط العجز عن خوض مباريات رسمية كثيرة يمكن أن تفرز صورةً واضحة بهذا الخصوص، ودخول لاعبين يافعين إلى تشكيلة المنتخب من دون أي خبرة دولية (في حال اعتمد هاشيك عليهم)، تبقى النقطة الإيجابية هنا في أن مدرب منتخبنا يعرف الكثير عن الكرة الإماراتية ولاعبيها، كونه سبق له الإشراف على أندية الوصل وشباب الأهلي والفجيرة والإمارات.
وفي نقطةٍ فنية إضافية مُقلقة، لا يخفى أن إصابة الخيار الرقم 1 في حراسة المرمى أي مهدي خليل تترك وقعها على المنتخب ويمكن أن تؤثر سلباً، إذ رغم الهفوات الكثيرة التي وضعت حارس مرمى العهد تحت وابلٍ كبير من الانتقادات، يبقى هو الأكثر جاهزية للعب مبارياتٍ بمستوى لقاءات التصفيات المونديالية، كونه حصد خبرةً على هذا الصعيد أكثر من أي حارسٍ آخر بفعل احتكاره الوقوف بين الخشبات الثلاث منذ ما يقارب الخمس سنوات.
لاعبو المنتخب يضحّون لتمثيل وطنٍ لم يقدّم لهم شيئاً لسنواتٍ عدة


كما يبدو مبهماً ما يمكن أن يقدّمه بعض اللاعبين الذين تمّ استدعاؤهم في حال اعتمد هاشيك عليهم، على غرار الوجوه الشابة الوافدة حديثاً أو حتى المهاجم عمر شعبان الذي غاب لفترةٍ طويلة عن المنتخب ما يترك علامة استفهام حول مدى قدرته على الانسجام سريعاً مع بقية أفراد المجموعة، إضافةً إلى القادم الآخر من إنكلترا هادي غندور الذي لم يلتحق بالمنتخب في أي مناسبة سابقاً.
وتضاف إلى كل هذه المسائل المقلقة واحدة أخرى قديمة - جديدة، وهي ترتبط بتأثير عدوى فيروس «كورونا» على التحضيرات وتأخيرها وصول بعض اللاعبين الأساسيين إلى مرحلة الحضور المثالي، فهي أبعدت القائد حسن معتوق عن التمارين أقلّه لمدة أسبوع، وهو الذي كان يحتاج إلى كل حصة تدريبية ومباراة ممكنة بعد غيابه عن المنتخب في الظهور الرسمي الأخير له في كوريا الجنوبية بسبب الإصابة. وكذلك أبعدت المهاجم محمد قدوح الذي أثبت حضوره أساسياً في الفترة الأخيرة كليّاً عن المباراة المقبلة بعد ثبوت إصابته بالفيروس وزميله محمد حايك، ما دفع أيضاً إلى حجر حسين زين ومهدي الزين بسبب مخالطتهما للاعبين المذكورين (عادا أخيراً والتحقا بالتمارين إثر خضوعهما للفحص الإلزامي حيث تبين عدم إصابتهما بالعدوى).
وتبقى كل هذه النقاط مجرّد علامات استفهام يمكن أن تتبخّر عند خروج هاشيك بالخيارات النهائية للمباراة الأولى، وتقف طبعاً عند ما يمكن أن يقدّمه اللاعبون على أرض الملعب، حيث الثقة الدائمة فيهم والأمل بارتقائهم إلى مستوى التحدّي ورسم بسمة على وجوه اللبنانيين الذين يستجدون الفرحة يومياً.