هل ما فعله كريستيانو رونالدو أو بول بوغبا خطأ؟هو فعلاً سؤالٌ محيّر، وخصوصاً في عصرٍ يمكن أن تجد فيه مئات الإجابات المختلفة من خلال تفاعل العالم الرياضي بشكلٍ رهيب مع أي حادثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
النجم البرتغالي كان قد أزاح قنينتين لشركة «كوكا كولا» للمشروبات الغازية فور جلوسه على طاولة المؤتمر الصحافي مطلع الأسبوع الحالي، بينما سجّل النجم الفرنسي موقفاً مشابهاً من شركة «هاينكن» للجعة مبعداً زجاجتها من أمامه عقب اختياره رجل المباراة في ختام لقاء منتخبي فرنسا وألمانيا.
الواقع أن ما قام به النجمان إذا ما دلّ على شيء فهو على تبدّل موازين القوى في عالم كرة القدم، إذ أصبح للاعبين رأي قوي وحاسم في مسائل تُعتبر أساسية، وخصوصاً في ما خصّ مسائل الرعاية وأسماء الرعاة الذين يحكمون اللعبة بشكلٍ خفيّ، وهو ما لا يعرفه كثيرون، إذ إن للرعاة الأساسيين في البطولات الكبرى كلمةً في كثير من الجوانب الرئيسية. كلمة هؤلاء تُنفَّذ غالباً، لأن الاتحادات والأندية في أوروبا تحترم اتفاقاتها معهم، إضافةً إلى أنها بحاجةٍ إليهم، فتعمد إلى مغازلتهم ومنحهم أي مساحة يطلبونها لعرض منتجاتهم ولو أنها تأخذ حقّها من أي طلبٍ من هذا النوع.

تأييدٌ عالمي
بطبيعة الحال، لا شك في أن موقفي رونالدو وبوغبا أضرّا كثيراً بالشركتين المعنيتين، لكنهما لقيا تأييداً أيضاً حول العالم، ولو أن هذا التأييد لم يصل إلى حجم الانتقادات التي شدّدت على أن تصرّفهما لم يكن احترافياً على الإطلاق.
تصرّف رونالدو دفع الجمعيات الداعية لمقاطعة المشروبات المضرّة بصحة الإنسان، والداعية إلى زيادة الضرائب عليها، للإشادة بما فعله معتبرةً أن شخصاً مؤثراً بحجمه يمكنه أن يساهم إيجاباً في حملاتها لمكافحة البدانة والحفاظ على بنية جسدية قوية ورشيقة، لا شك في أن النجم البرتغالي هو نموذج لها كونه لا يزال يتمتع بكل مقوّماته البدنية المميزة رغم وصوله إلى سن الـ 36.
أما تصرّف بوغبا فقد وضعه البعض الآخر في خانة الإيجابيات، وتحديداً تلك المؤسسات العالمية التي تعمل على الدفع نحو منع الإعلانات الخاصة بالكحول والوجبات السريعة والمراهنات من الملاعب الرياضية، وتحديداً ملاعب كرة القدم، لتحذو حذو سباقات سيارات الفورمولا 1 على سبيل المثال لا الحصر، والتي عاشت فرقها على نعمة رعاية شركات التبغ لها، لكنها ما لبثت أن رضخت للقوانين، فغابت أسماء هذه الشركات عن سياراتها وملابس سائقيها ومهندسيها وفرق العمل لديها.
ما فات رونالدو وبوغبا أن قسماً كبيراً من ثرواتهما هو من أموال المعلنين في الملاعب


المهم أن رونالدو أصاب «كوكا كولا» في مقتل، فلا شك في أن ملايين الأشخاص، وخصوصاً الفتيان والشبان شاهدوا تصرّفه الذي أعقبه بالدعوة إلى شرب المياه بدلاً من أي مشروبٍ آخر، وهؤلاء قد يأخذ قسمٌ كبيرٌ منهم بنصيحة نجمهم المفضّل ويرفضون هذا المشروب مستقبلاً. ولهذا السبب ربما تأثرت العلامة التجارية للشركة العالمية سريعاً فسجّلت فور حصول الحادثة انخفاضاً كبيراً بنسبة 1.6% في سوق الأسهم، وانخفضت قيمتها من 242 مليار دولار إلى 238 مليار دولار، لتبلغ خسائرها الإجمالية 4 مليارات دولار!
ولا يخفى أيضاً أن تصرّف بوغبا سيثير الكثير من الأخذ والردّ أيضاً، وخصوصاً أن الجعة هي من المشروبات المفضّلة في أوروبا وارتبطت غالباً بالعالم الرياضي من خلال شركاتها المختلفة التي دأبت على تفضيل الملاعب لاستعراض أسمائها.

لا حياة بلا الرعاة
لكن ما فات رونالدو وبوغبا هو أهمية وجود هؤلاء الرعاة في الملاعب، وتحديداً في هذا الزمن حيث تراجعت عائدات الأرباح بالنسبة إلى الأندية والاتحادات. كما فاتهما أيضاً أن كل الأموال التي حصلا عليها جاء قسمٌ كبيرٌ منها من هؤلاء المعلنين الذين يُعدّ وجودهم أساسياً لديمومة اللعبة واللاعبين.
أضف أن رونالدو نفسه سبق أن ظهر في إعلانات أهم شركتين للمشروبات الغازية في العالم أي «بيبسي» و»كوكا كولا»، ما يعني أن العفّة التي استخدمها في تصرّفه ليست بتلك البراءة التي يعتقدها البعض، والدليل ما نقله اللاعب النروجي يان أغيه فيورتوفت عن مواطنه مدرب مانشستر يونايتد الإنكليزي الحالي أولي غونار سولشاير الذي أخبره بأنه في أحد الأيام قَدِم رونالدو إلى الفطور حاملاً بيده عبوة «كوكا كولا»، فقام الويلزي راين غيغز بدفعه إلى الحائط، قائلاً له: «لا تفعلها مرةً أخرى».
أما بوغبا الذي يُعدّ أحد الوجوه الرياضية الأساسية في إعلانات «بيبسي»، فإن منتقديه صوّبوا على أن تصرّفه كان غير احترافي بل فعلها فقط تقليداً لرونالدو، إذ لا يمكنه أن يتذرّع بأن ما أقدم عليه ناتج عن التزامه دينياً، كون الزجاجة التي وُضعت أمامه كانت خالية من الكحول.
أما الأهم والأكثر منطقية في هذه القضية، فإن وجود الزجاجات في المؤتمرات الصحافية، وبغضّ النظر عن ضررها على الصحة من عدمها، فهذا لا يعني أن اللاعب مطلوب منه تسويقها أو شربها، بل إن وضعها على الطاولة هو من حق تلك الشركات التي تدرّ الملايين على اللعبة واشترطت ظهور أسمائها في جوانب من بطولاتها.
لذا ورغم اعتبار البعض أن «الدعاية السيئة» هي دعاية جيّدة في نهاية المطاف، فإن المطلوب من الاتحادات الكبرى التحرّك لكي لا تصبح هذه الظاهرة عادةً يُقدِم عليها كل من بيده حيلة، وبالتالي تتلقّى اللعبة الشعبية الأولى ضربةً في الصميم بغنى عنها، وهي الباحثة عن مخارج إنقاذية بعدما رزحت تحت ثقل تفشي «كورونا»، والدليل ما كشفت عنه الأندية الإنكليزية قبل أيام بإعلانها تكبّد حوالى الـ 1.4 مليار دولار لتكون قد تعرّضت لأكبر مجموعة خسائر في تاريخها بسبب الجائحة العالمية.



لوكاتيللي على خط المقاطعة


في المؤتمر الصحفي الذي اعقب مباراة المنتخبين الايطالي والسويسري والتي انتهت بثلاثية نظيفة «للاتزوري»، كرر مهاجم ايطاليا مانويل لوكاتيللي حركة البرتغالي كريستيانو رونالدو، وقام بإبعاد زجاجة كوكاكولا من امام الكاميرات، ووضع مكانها زجاجة مياه.
وكان لوكاتيللي فاز بجائزة افضل لاعب في المباراة بعد تسجيله هدفين لمنتخب بلاده، ليصبح بذلك ثاني لاعب يسجل هدفين في مباراة واحدة للمنتخب الايطالي في البطولة الاوروبية، منذ ماريو بالوتيللي الذي سجل ثنائيته حينها في مرمى المانيا.
وبسبب هذه التصرفات من اللاعبين تكبدت شركة كوكاكولا خسائر قدرت بأكثر من 4 مليارات دولار خلال اقل من 4 ايام فقط، وهو ما يضعها امام احتمال رفع دعوى قضائية ضد اللاعبين الذين يزيحون منتجاتها عن طاولات المؤتمر الصحفي، والتي تعتبر اعلانات مدفوعة للشركة. كما ان هذا الامر يجعل الشركة تدخل بنزاع قضائي مع الجهة المنظمة وهي الاتحاد الاوروبي للعبة «يوفيا» الذي يوقع مع الشركات الراعية للبطولة.