بالنظر إلى مجريات الدوري على محطاتٍ مختلفة، يعدّ الموسم المنصرم من «الأغرب» في تاريخ الكرة الإسبانية. فرغم انفراده بالصدارة لجولاتٍ متتالية وبفارقٍ مريح عن أقرب ملاحقيه، كاد أتليتيكو مدريد أن يخسر المركز الأول في أكثر من مناسبة لولا تعثّرات منافسَيه المباشرَين ريال مدريد وبرشلونة. عاش هذان الأخيران موسماً متخبّطاً على خلفية سوء التحضير، الأمر الذي سهّل أكثر من مهمة أتليتيكو الذي اعتمد بالدرجة الأولى، بعيداً عن تضافر جهود اللاعبين، على حنكة المدرب دييغو سيميوني.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
اشتهر أتليتيكو مدريد في السنوات الماضية، بعد مجيء المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني الذي صعد بالروخيبلانكوس من منتصف الجدول إلى المنصّات المحلّية والأوروبيّة.
منظومة متكاملة خطفت لقب الليغا موسم 2013-2014، كما رفعت العديد من الألقاب منها الدوري الأوروبي، لكنها عرفت بعدها تراجعاً واضحاً في المستوى والنتائج، خاصةً بعد رحيل بعض اللاعبين البارزين مثل الفرنسي أنطوان غريزمان.
وفي ظلّ التخبّط الذي عرفه النادي خلال السنوات الثلاث الماضية، كثُر الحديث عن إمكانية رحيل المدرب الأرجنتيني بحثاً عن تجربة جديدة بعد أن بنى مجد أتليتيكو مدريد في تاريخه الحديث، لكن ذلك لم يحدث. ظلّ سيميوني بين أسوار ملعب الواندا ميتروبوليتانو وأعاد الفريق إلى منصّات التتويج من جديد. لم تكن الطريق معبّدة أمام سيميوني ورجاله للنجاح، حيث انتهجت الإدارة طريقة جديدة بهدف العودة إلى الواجهة. فرغم اشتهاره ببناء منظومات دفاعية وبأقل الإمكانات المادية المطلوبة، فتح سيميوني خزائن النادي قبل بداية الموسم المنتهي، وقدّم منظومة مختلفة بصبغةٍ هجومية. تحسُّن الفريق ليس وليد الصدفة، بل جاء بفعل نجاح الصفقات الجديدة، على رأسها الأوروغواياني المخضرم لويس سواريز الذي كان بمثابة عنصر الحسم.
«طُرد» المهاجم الأوروغواياني من برشلونة الموسم الماضي بحجّة تراجع مستواه إثر التقدّم بالعمر. صفقة اقتنصها سيميوني مستفيداً من خبرة سواريز وشخصيّته القيادية لاستعادة اللقب من جديد.
ظهر سواريز في العديد من المباريات المهمة وحصد الكثير من النقاط لفريقه الجديد، كما سجّل هدف الفوز (2-1) على بلد الوليد ليحسم اللقب لأتلتيكو، حيث كان اللقب سينتقل إلى جاره ريال مدريد في حال سقوطه أمام بلد الوليد وفوز الملكي في المباراة الأخيرة، لكن المهاجم الأوروغواياني كان عند حسن ظنّ مدربه وقاد أتليتيكو للقب المحلي الحادي عشر في تاريخه بعد غياب 7 سنوات حيث تُوّج آخر مرة في موسم 2013-2014.
سواريز، ورغم أهميته، ما هو إلّا جزء من مجموعة متكاملة عرفت النجاح مع العقل الأرجنتيني المدبّر. موسمٌ بعد آخر يثبت فيه سيميوني أنه مدرب من طينة الكبار يعرف جيداً كيف يبني منظومة لا تتأثّر بغياب لاعب واحد. فرغم التغييرات التي أحدثها دييغو في هيكلة الفريق بفعل انتهاء فاعلية البعض أحياناً أو بفعل انتقال النجوم إلى فرقٍ أخرى، بقي كيان أتليتيكو متماسكاً وهو أمرٌ يثير الإعجاب والتقدير.
وعلى عكس ريال مدريد وبرشلونة اللذين يصرفان أموالاً طائلة في كل موسم على لاعبين غير مناسبين، تكمن قوة سيميوني بحسن الاختيار وعدم دفع مبالغ كبيرة إلا على لاعبين قادرين على صنع الفارق وحمل الفريق على المدى البعيد.
سيميوني مدرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. مدير فني يعرف ماذا يريد وينفّذه مهما كانت الظروف. اللقب تحقق عن جدارة واستحقاق هذا الموسم، وفي حال عدم تعافي ريال مدريد وبرشلونة قد يكرر سيميوني ورجاله السيناريو نفسه في الموسم المقبل.