بخلاف الغالبية الساحقة من بلدان العالم التي اجتاحها وباء «كورونا»، عرف القطاع الرياضي جموداً نهائياً في لبنان. ففي وقتٍ عمدت فيه غالبية البلدان الآسيوية والأوروبية إلى اعتماد آلية عودة تدريجية وفق نمطٍ سريع إلى الملاعب والمنافسات، غرّد لبنان خارج السرب رياضياً، تماماً كما هو الحال في مختلف القطاعات المتأثرة بالجائحة، حيث طغى الضياع والقرارات غير المدروسة، وبالتالي الشلل والخسائر على الوضع العام.وبين فترة إقفالٍ وأخرى لم يعرف لبنان مشهداً مشابهاً لأوروبا مثلاً حيث أُعيد إطلاق البطولة ابتداءً من أيار الماضي، وذلك لهدفٍ أساسي وهو عدم قتل الرياضة وإصابة الأندية والاتحادات بالإفلاس. أما السبب الآخر فهو الإبقاء على مساحةٍ ترفيهية للشعوب بعيداً من مآسي «كورونا» وكآبة الحجر التي يسببها المكوث في المنزل.
لكن هنا تأخذ القصة منحى آخر، إذ أن أندية ومنتخبات كرة القدم مثلاً سجّلت انطلاقةً مهزوزة لموسمها، بينما تعذّر إطلاق بطولة لبنان لكرة السلة أكثر من مرّة، وغابت بطولات أخرى تماماً، وخرجت رياضات كثيرة من المشهد العام.
وإذا كان منتخب كرة القدم قد استطاع الذهاب إلى دبي الإماراتية لخوض معسكرٍ قصير ومباراة ودية أمام المنتخب البحريني، فإن هذه الخطوة بدت وكأنها مجرد إثبات وجود أو محاولة لإحياء المنتخب والحفاظ على وجوده حتى لو لعب مباراة واحدة في فترة غير قصيرة بالنسبة إلى المباريات الدولية المعتمدة من الاتحاد الدولي للعبة «الفيفا». علماً أن استكماله مشوار التصفيات الآسيوية المزدوجة المؤهلة إلى كأس آسيا وكأس العالم بات قريباً، لكنه رغم ذلك لا يزال بعيداً قسراً عن أي تجمّع.
أما منتخب كرة السلة فقد حصل على استثناءٍ للتدرّب وخوض التمارين من أجل استكمال مشواره في تصفيات كأس آسيا في البحرين. تمارين كان المنتخب بحاجةٍ ماسّة إليها، إذ بعيداً من لاعبيه الذين وجدوا مساحةً للاحتراف في الخارج، لم يعرف اللاعبون المتواجدون في لبنان شكل الملعب لفترةٍ طويلة وغابوا كليّاً عن أي تدريبات فردية أو جماعية مرتبطة بكرة السلة.
لم يتمكّن منتخبا لبنان للركبي يونيون من خوض أي حصة تدريبية حتى الآن عشية مشاركتهما في البطولة العربية!


الركبي يونيون في أزمة
آخر المنتخبات التي تنتظرها بطولة خارجية هو منتخب لبنان للركبي يونيون بفئتَيه للرجال والسيدات. المنتخبان سيخوضان غمار البطولة العربية في مدينة الإسكندرية المصرية ابتداءً من 12 شباط المقبل، لكن حتى هذه اللحظة لم يتمكن أيٌّ منهما من خوض التمارين.
أمرٌ مضرٌّ من دون شك بالمنتخبين، وخصوصاً أن المنافسة في البطولة العربية لن تكون سهلة هذه المرّة، إذ أكد الاتحاد العربي عقب اجتماع عقده عن بُعد مطلع الأسبوع الحالي أن فئة الرجال ستضم 9 منتخبات، مقابل 6 منتخبات عند السيدات.
الأسوأ في الموضوع أن مستوى منتخب لبنان يخوّله الوقوف أقلّه بين الثلاثة الأوائل إذا لم نبالغ بالقول بأنه يستطيع منافسة نظيره التونسي المرشح الأقوى للفوز بلقب النسخة السابعة من هذه البطولة. أما منتخب السيدات فيفترض أيضاً أن ينافس على لقب النسخة الأولى، رغم أنه في لبنان ليست هناك بطولة تنافسية فعلية بحُكم وجود نادييْن فقط للجنس اللطيف.
وفي وقتٍ تمّ اختيار تشكيلة من اللاعبين المحليين دون المغتربين لتمثيل وصيف بطل غرب آسيا في الاستحقاق العربي، من أجل توفير عناء السفر على اللاعبين وسط الأوضاع الصحية المتأزمة في العالم، بادر اللاعبون واللاعبات إلى دفع مصاريف سفرهم بشكلٍ كامل حيث اشتروا تذاكر السفر ودفعوا بدل التأشيرات، وذلك بهدف تأمين مشاركتهم في البطولة.
خطوةٌ تعكس رغبةً كبيرة من قبل هؤلاء لتمثيل لبنان، لكن رغم كل هذا المجهود والتضحية، فإن أحداً لم يلتفت إليهم ليبقوا أسرى للقرار الحكومي الذي أبعدهم عن الملاعب وسط مساعٍ لحلّ الأزمة من أجل المصلحة الوطنية العامة.

100 ألف ليرة في الاتحاد
أمين صندوق الاتحاد اللبناني للركبي يونيون إيغل زريق يوضح بدايةً سبب دفع اللاعبين واللاعبات من جيوبهم الخاصة لمصاريف السفر، فيقول في اتصالٍ مع «الأخبار»: «اشترى هؤلاء تذاكر السفر قبل انتخاب اللجنة الإدارية التي وصلنا من خلالها إلى الاتحاد حيث لا أخفي بأننا لم نجد أكثر من 100 ألف ليرة لبنانية في خزينته المالية».
مسألة ليست مفاجئة عندما نعلم بأن هذا الاتحاد ورغم فوز منتخبه ببطولة غرب آسيا وتنظيمه البطولة الإقليمية في لبنان، لم يحصل سابقاً على أي مساعدة من وزارة الشباب والرياضة أو من أي جهة رسمية «لذا بدأنا الإعداد مالياً ولوجستياً للمشاركات الوطنية المقبلة في الخارج لكي لا نجد أي عرقلات مستقبلاً»، يقول زريق، الذي يكشف أيضاً عن بدء وضع استراتيجية تسويقية لتجهيز المنتخب وتأمين مصاريفه «إضافةً إلى رفع عدد الأندية عند الرجال من 5 إلى 8 أندية، وذلك في موازاة العمل على نشر اللعبة أكثر في المدارس بالتعاون مع وزارتَي التربية والشباب والرياضة، بعدما انحصرت عملياً في مدارس مصنّفة بالرفيعة المستوى حيث تضم طلاباً أجانب يعرفون اللعبة المشهورة في بلدانهم الأم».

(عدنان الحاج علي)

لكن هل سينسحب لبنان من البطولة العربية إذا ما استمر الوضع على حاله؟
خطوةٌ تبدو مستبعدة لأن الجهة المصرية المنظّمة كانت قد أصرّت على المشاركة اللبنانية بهدف ضمان مستوى عالٍ للبطولة، لا بل وبحسب معلومات «الأخبار» فإن المصريين تكفّلوا بكل مصاريف إقامة البعثة اللبنانية في الإسكندرية، وهو ما سيُحرج اللبنانيين الذين لن يقدموا على خطوة الانسحاب حتى لو لم يتدربوا، وذلك لتفادي أي إحراج بعد حصولهم على كل التسهيلات الممكنة من الجانب المصري.
وفي موازاة هذا الجمود القسري لمنتخبَي الركبي يونيون، ذهب الاتحاد اللبناني المنتخب حديثاً برئاسة سمير دبوق، إلى تقديم كتابٍ رسمي لإيجاد حلٍّ لهذه المعضلة، متوجّهاً إلى وزيرة الشباب والرياضة فارتينيه أوهانيان التي سبق وأبدت انفتاحاً لاستثناء المنتخبات من قرار الإقفال العام. ويُنتظر أن تتباحث أوهانيان مع الجهات المسؤولة عن موضوع مكافحة الوباء في مسألة الاستثناء هذه، وخصوصاً بعدما أظهر الاتحاد المعني جديّةً في الحرص على إقامة التمارين في ظروفٍ صحية مثالية حيث حدّد الملعب سلفاً، والمدة الزمنية لكل حصة تدريبية، وأسماء الأشخاص من لاعبين وأعضاء الجهازين الفني والإداري الذين سيتواجدون خلالها، وكل هذا ضمن الإجراءات الوقائية المتّبعة لتفادي أي إصابة أو نشر فيروس «كورونا».
وبانتظار الخلاص، يتابع مدرب منتخب لبنان البريطاني ستيفن ريغلسوورث لاعبيه خلال تدرّبهم عبر تقنية الفيديو، حيث يتدرّب كلٌّ منهم بالتنسيق مع الجهاز الفني الذي لم يكن يأمل سوى السماح بخروج أفراد التشكيلة من الحجر القسري لخوض حصصٍ تدريبية لا تتعدّى مدتها الساعة ونصف الساعة. ويختم زريق: «نتمنى استثناء كل المنتخبات، لكنّ الاستحقاق الأقرب بينها هو لمنتخبَيْنا. لا نطلب اليوم أي دعمٍ مالي لأننا نعرف أن الوضع العام في البلاد لا يحتمل طلب أي مساعدة مادية في ظل المصاعب التي يعيشها الشعب، لكن المطلوب فقط هو تسهيلات بسيطة لتمثيل لبنان خير تمثيل، وخصوصاً بوجود أملٍ لدينا بإحراز لقبٍ في هذه البطولة».