قد يعتقد البعض أن ممارسته للرياضة ستبعد عنه شبح الاصابة بفيروس "كورونا". فكرةٌ وردت على لسان الكثيرين الذين اعتقدوا أن اجسامهم محصّنة بعضلات مفتولة أو بلياقة بدنية عالية أو من خلال النظام الغذائي والرياضي الذي يرافق حياتهم اليومية. لكن المؤشرات والتجارب والدراسات تشير كلّها إلى أن هذا الاعتقاد خاطئ الى حدٍّ كبير، فالفيروس الذي اجتاح العالم لم يكن الرياضيون بمنأى عنه، لا بل أصابهم بالجملة وعطّل بطولاتهم وأبعد جماهيرهم، وترك تأثيره السلبي على مشوارهم في الميادين.صحيح أنه لم تسجّل أي حالة وفاة لأحد الرياضيين المحترفين أو المعروفين في العالم بعد إصابته بـ"كورونا"، لا بل إن الكثير من رجال الرياضة وسيداتها تخطّوا المحنة بطريقة سلسلة أو عادوا الى ممارسة نشاطهم الطبيعي في زمنٍ قياسي، بحيث إن بعضهم شفي من إصابته في أقل من أسبوعين حتى.
لكن هذه المسألة ليست مشتركة، وخصوصاً وسط تسجيل حالاتٍ مقلقة في صفوف الرياضيين الشبان على وجه الخصوص، وهم كلّهم يمارسون الرياضة بشكلٍ احترافي ووفق تمارين مدروسة وبرامج محددة. كل هذا أفضى الى مسارعة العلماء إلى إطلاق أبحاثٍ ودراسات حول تأثير الفيروس على حياة الرياضيين بعد فترةٍ قصيرة أو طويلة على شفائهم، إذ إن الحوادث الطارئة اظهرت أن ما قد يعيشه الرياضيون بعد تخلّصهم من "كورونا" هو أسوأ بكثير من العوارض التي يعانون منها، لا بل إن تأثيرات الفيروس على المدى القصير أو البعيد قد تشكّل خطراً على حياتهم!
من هنا، وبما ان الشريحة الاكبر من المتأثرين بالاصابة بعد شفائهم منها هم من الفئة الشابة، سارعت رابطة الجامعات في الولايات المتحدة الى ايقاف أنشطتها بعد تفشي الوباء بشكلٍ هائل في البلاد، وذلك بانتظار المزيد من الدراسات لمعرفة حماية الرياضيين، وتحديداً الشبان منهم، بعد ظهور اكثر من حالة خطرة كان وراءها "كوفيد-19" واصابت القلب مباشرة.

خطورة حقيقية بعد الشفاء
الأمثلة كثيرة حول العالم بما خصّ هذه الحالة التي تمّ تحديدها بمشاكل حول القلب والاوعية الدموية، أو بشكلٍ اكثر دقة ما تمّ تشخيصه من التهابات في عضلة القلب لدى رياضيين شُفوا من "كورونا" وعادوا الى الملاعب وهم يظنون أنهم يمكنهم ممارسة حياتهم الرياضية بشكلٍ طبيعي.
ما حصل طبعاً يناقض كل تلك التقارير التي تحدثت عن التأثيرات السلبية للاصابة بـ"كورونا" على الرياضيين الذين بسبب ضيق النفس على سبيل المثال لم يكن بإمكانهم التدرّب لمدة 10 دقائق خلال الحجر للحفاظ على لياقتهم، كما هي حال الارجنتيني باولو ديبالا نجم يوفنتوس بطل الدوري الايطالي لكرة القدم.
ما قد يعيشه الرياضيون بعد تخلّصهم من «كورونا» هو أسوأ بكثير من العوارض التي يعانون منها


ببساطة، "كورونا" الذي تصيب عوارضه المفاصل والجسم والعضلات ليس بالمسألة العابرة في حالاتٍ كثيرة بالنسبة الى الرياضيين، وتأثيره أبعد من تقليص حجم العضلات أو انخفاض مستوى اللياقة البدنية كما تحدث البعض، بل إن خطورته حقيقية حتى بعد الشفاء منها.
من هنا، تتسارع الامور حالياً لمعرفة الاسباب الحقيقية وراء ظاهرة متكررة أصابت رياضيين محترفين في رياضات مختلفة حول العالم، وقد عانوا من مشاكل في القلب تحديداً بعد شفائهم من "كورونا". الأكيد أن العلماء ينطلقون اليوم من نقطة علمية معروفة لإجراء أي مقاربة في ما خصّ أي مرضٍ يرتبط بالقلب. ففي حالات الرياضيين لا يخفى أنه عندما تزيد ضربات القلب وتلتقي مع مجهودٍ غير طبيعي تطفو المشكلة بالنسبة الى المتعافين من "كورونا"، وهو ما حصل قبل شهرٍ تماماً في حالة لاعب كرة سلة أميركي يدعى كيونتي جونسون (21 عاماً) الذي أُدخل الى المستشفى في حالٍ حرجة بعد سقوطه على أرض الملعب مغشياً عليه، ليتبيّن لاحقاً ان ما حصل له هو من جرّاء مضاعفات إصابته بالفيروس، رغم شفائه منه تماماً.

العودة السريعة مرفوضة
اللافت أكثر أن من يواجهون مشكلة التهاب عضلة القلب كانوا لا يعانون من أي عوارض خلال إصابتهم بـ"كورونا"، تماماً كما حصل في حالة لاعب فولسبورغ غريزليس في الدوري الالماني للهوكي على الجليد، يانيك موسر (25 عاماً)، الذي ظنّ أنه في طريقه للعودة لاستكمال مسيرته بعد فترة الحجر الصحي التي لم يعرف خلالها أي عوارض، لكن فريق الأطباء في ناديه، وبحكم الاجراءات المتّبعة، أخضعه لسلسلة فحوصات، فكانت الصدمة أنه بات يعاني من التهاب في عضلة القلب، ما يعرّضه لخطر الإصابة بالموت المفاجئ من جرّاء أزمة قلبية.
موسر نفسه قدّم نفسه ليكون على طاولة الدراسات للباحثين والعلماء في ألمانيا، آملاً أن تكون حالته مقدّمة لإيجاد طريقة لحماية زملائه الرياضيين، الذين كان أشهرهم ممن عانوا من الحالة نفسها هو نجم فريق بوسطن ريد سوكس للبايسبول في الولايات المتحدة، ادواردو رودريغيز، الذي تمّ اكتشاف مشكلة في قلبه بعد تخطّيه الإصابة بـ"كورونا".

تُتخذ إجراءات استثنائية للحد من انتشار الفيروس في الملاعب(أ ف ب )

لذا، ليس بالغريب ما اشارت اليه دراسة جامعية اميركية أجريت حول 26 رياضياً من جامعة أوهايو، تمّ التثبت من اصابتهم بالفيروس العالمي ومرورهم بعوارض طفيفة، ومن ثم ظهور نتيجة سلبية للمسحة التي أجريت لهم. فبعد اجراء فحوصات وصور دقيقة للقلب على 46% ممن عرفوا عوارض بسيطة، وعلى 54% ممن لم يعرفوا اي عوارض، تبيّن ان 46% منهم ظهرت مشاكل قلبية مختلفة في فحوصاتهم، بينما تبيّنت معاناة 15% منهم من التهاب في عضلة القلب.
وفي خضم كل هذه الضجة وهذا القلق على حياة الرياضيين، تبدو هناك ضرورة لعدم استعجال عودة أي رياضي الى الملعب قبل التأكد من سلامته تماماً، والتأكد من عدم معاناته من مضاعفات إصابته بالفيروس لفترةٍ زمنية قصيرة بعد الشفاء او حتى لفترةٍ ابعد، وهي مسألة تحتّم على القيّمين اجراء فحوصات دورية وضرورية للمتعافين ترتبط تحديداً بالكشف عن اي مشكلات في القلب، لتفادي بالتالي تلك المآسي الصادمة التي شهدتها الملاعب بوفاة مفاجئة لرياضيين خلال سنوات خلت.