منذ نشأة كرة القدم للصالات في لبنان سأل كثيرون عن ماهية الاهتمام الذي أحاطه الاتحاد اللبناني لكرة القدم بهذه اللعبة، فكان أن ردّ الخبراء فيها بأنها ضرورة قصوى لإنتاج لاعبين تقنيين وأصحاب مهارات يمكنهم صناعة الفارق في المباريات بحكم الظروف التي يعيشونها على أرض الملعب في الفوتسال والمفترض أن تسهّل عليهم حياتهم في الملاعب الكبيرة.هو أمرٌ ثبت في محطات عدة، لكنه وصل إلى المشهد الأوضح هذا الموسم مع استمرار حالة النزوح التي عرفتها اللعبة الرديفة بانتقال أبرز نجومها تباعاً إلى اللعبة الشعبية الأولى. وهذه الحالة تعزّزت طبعاً في ظل الصعوبات المالية العامة، والتي تركت تأثيرها السلبي على فرق الفوتسال، ما جعل اللاعبين يبحثون عن فرصٍ أفضل، وقد وجدتها غالبيتهم في الملاعب الكبيرة.
العودة إلى «كلاسيكو» الكرة اللبنانية بين النجمة والأنصار تترك صورةً جليّةً عن الجانب التقني المرتبط بهذه الظاهرة، إذ أن أسماء مهمة سابقة في كرة الصالات لفتت الأنظار في هذه الموقعة أو إذا صح التعبير لها ثقلها في تشكيلة الغريمين التقليديين.

أصحاب التقنية العالية
هناك في الأنصار يشكّل حسن معتوق ثنائياً مميزاً مع حسن شعيتو «موني»، تماماً كما فعلا أيام لعبا معاً في صفوف فريق «البنك اللبناني الكندي» الذي وصل بفضلهما إلى نهائي البطولة المحلية في الفوتسال. ويضاف إليهما اكتشاف الموسم محمد حبوس الذي أدهش الكل بمهاراته، وهو الذي مثّل منتخب فلسطين للفوتسال. وهناك في النجمة وصل المنتخب الوطني لكرة الصالات في فترةٍ من الفترات إلى أعلى مستوياته بوجود خالد تكه جي، علي طنيش «سيسي» وإدمون شحادة.
هذه الأسماء بالتحديد كانت الأبرز خلال «الدربي»، إذ أن الهدف «المارادوني» الذي سجّله «موني» أعاد التذكير بأيام أمجاده في الفوتسال حيث تفنّن بالمرور عن الخصوم ورسم أجمل الأهداف، وأحدها لا يزال بين الأفضل في تاريخ كأس آسيا عندما سجّل في مرمى منتخب تايبه خلال نسخة عام 2010 في أوزبكستان.
أما هدف «سيسي»» من تسديدة رائعة فهو لم يكن مفاجئاً أبداً بالنسبة إلى متابعي كرة الصالات، لأن هذا اللاعب عُرف بأنه أحد أفضل لاعبي الارتكاز (Pivot) في القارة الآسيوية من خلال قدراته التهديفية التي تنتجها تسديداته القوية والدقيقة.
وبين الهدفين كان دور تكه جي وشحادة كبيراً في ترجيح كفة النجمة عندما وجدا الحلول الفردية لفك الشيفرة الدفاعية الأنصارية من خلال توغلاتهما ومبادراتهما معتمدين على مهاراتهما لمواجهة الفريق الخصم.
كان نجوم الفوتسال السابقون هم الأبرز في «دربي» النجمة والأنصار


كل هذه المشاهد تركت قناعةً وتأكيداً بأن اللاعبين القادمين من ملاعب الفوتسال يتمتعون بتقنيةٍ أعلى من تلك التي يتمتع بها اللاعب الذي نشأ في ملاعب الفوتبول، إذ منذ ظهور نجومية محمد حيدر لم تعرف الملاعب اللبنانية أي لاعبٍ شاب يملك قدرات مهارية تخوّله السيطرة على الكرة والتفنّن بالتمريرات واستخدام المهارات في الظروف الضاغطة، وبالتالي إيجاد الحلول التي تفتح الطريق لفريقه من أجل هزّ الشباك.
طبعاً هي ظاهرة خطيرة وغير مطمئنة على الإطلاق، لكن ما يعزي هو أن غالبية اللاعبين المميزين في Aملاعبنا دأبوا على ممارسة الكرة في الملاعب الشعبية الصغيرة، ولو أن هذا الأمر ليس كافياً لكي يرتقوا إلى المستوى التقني للاعبي الفوتسال في الدوري، وذلك لأسبابٍ ترتبط تحديداً بهذه اللعبة ولا تُخلق فطرياً مع أي لاعب.
وينطلق الكلام هنا من حديثٍ سابق للنجم الإسباني أندريس إينييستا الذي أشار إلى أهمية مروره في ملاعب الفوتسال خلال نشأته، وهو أمر أوصله إلى ما هو عليه. كذلك، قال كلٌّ من النجمين الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو كلاماً مشابهاً حيث أكدا أن الفضل في ما وصلا إليه هو بسبب ممارستهما للفوتسال خلال الصغر.
وتطول اللائحة المؤيدة لهذه الأقوال لتشمل مجموعة من البرازيليين مثل بيليه ورونالدينيو ونيمار وكوتينيو، والبرتغالي لويس فيغو، وغيرهم. كل هؤلاء أشاروا إلى أن مهاراتهم تطوّرت بفعل نشأتهم في الملاعب الصغيرة.

ميزات لاعب الفوتسال
هو كلامٌ صحيح أثبته نجومنا في الدوري اللبناني، إذ أن «سيسي» مثلاً عكس صورةً عن مدى تطوّر اللمسة الواحدة لديه وسرعة اتخاذه القرار بتمرير الكرة، وذلك في موازاة الاندفاع الدفاعي الرهيب الذي يملكه عند ضغطه على حامل الكرة. أما معتوق فيتميّز بدقة تسديداته التي يفاجئ بها الخصوم، وطبعاً مراوغاته الممزوجة بالتمويه، وهي ما تميّز «موني» أيضاً. وينسحب الكلام على تكه جي لناحية إجادته اللعب تحت الضغط وفي ظل الرقابة الدفاعية حيث يطلب غالباً الكرة من دون أي خوفٍ أو إرباك، بينما يتميّز شحادة على غرار الأخير وكل اللاعبين المذكورين بتفوّقه على المدافعين في المواجهات الثنائية.


لذا ليس مستغرباً أن يكون معتوق وشعيتو أكثر اللاعبين صناعةً للفرص عند الأنصار بمجموع 26 فرصة صنعها الأول و11 فرصة صنعها الثاني في الدوري حتى الآن. وكذا الأمر بالنسبة إلى تكه جي الذي يُعدّ الأفضل على هذا الصعيد من ناحية النجمة بصناعته 13 فرصة. هذا وكان تأثير «إدي» حاضراً على هذا الصعيد خلال «الدربي» بصناعته 3 فرص للتسجيل خلال الشوط الثاني الذي دخله بديلاً، ما يوضح تأثيره في فرض النجماويين لسيطرتهم وحصارهم للمنطقة الأنصارية.
قد لا يكون كل لاعبٍ قادمٍ من الفوتسال قادراً على النجاح في ملاعب كرة القدم، وربما المثال الأبرز على هذه المقولة هو أفضل لاعب في تاريخ اللعبة البرازيلي فالكاو الذي لم يستمر لفترة طويلة مع فريق ساو باولو الشهير عقب انضمامه إليه في عام 2005. لكن الأكيد أن الثقة بالنفس التي يحملها لاعب الفوتسال معه من الملاعب الصغيرة تبدو كبيرة جداً، إذ أنه اعتاد على اللعب تحت الضغط، وهو إذا كان قادراً على التصرّف بالكرة ضمن مساحةٍ ضيّقة، ستكون الأمور سهلةً بالنسبة إليه على المستطيل الأخضر حيث المساحات أوسع وأكبر. كذلك، قد يكون نجاح اللاعب اللبناني في الملاعب الكبيرة عائداً إلى أنه مرّ عليها أوّلاً قبل انتقاله إلى نظيرتها الصغيرة، وبالتالي هو يعرف الأجواء التي تنتظره والمتطلبات الفنية للمباريات وظروفها، ليستفيد من ما جمعه في الفوتسال ويترجمه إلى أداءٍ أفضل مما قدّمه في بداياته في كرة القدم، وهو أمر ثبُت في حالة تكه جي على سبيل المثال لا الحصر.
أما المؤسف فإن غالبية الأندية المعروفة في لبنان نشطت في البطولات الرسمية عند انطلاق اللعبة، لكنها ابتعدت عنها تباعاً لاحقاً، لكن لا بدّ أن تلتفت لها مجدداً في عملية تأسيسها للاعبيها الصغار في ظل الشحّ الذي تعرفه كرة القدم المحلية لناحية وجود لاعبين تقنيين ومهاريين على مستوى عالٍ، ما يعيدنا لطرح السؤال القديم: ما هي الحلول لدينا مستقبلاً في المنتخب عند اعتزال معتوق الذي بدا في فترةٍ من الفترات الحلّ الفردي الوحيد لتسجيل الأهداف في المباريات الدولية؟

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا