رغم عدم إدراجها بين الرياضات الشعبية الرائدة في البلاد مقارنةً بكرة السلة وكرة القدم الأميركية "الركبي"، إضافةً إلى إعطائها اسماً مختلفاً عن المتعارف عليه في باقي البلدان (soccer)، شهدت رياضة كرة القدم تطوراً كبيراً في الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبحت تنافس بلاداً أخرى من حيث المستوى، مثل البرازيل والأرجنتين، كما أصبحت أميركا مقصداً للاعبين المقبلين على الاعتزال أو الباحثين عن استعادة المستوى. مرور لاعبين كبار على الدوري الأميركي (MLS) من طينة الإنكليزي ديفيد بيكهام ومواطنيه فرانك لامبارد وستيفن جيرارد، كما الفرنسي تيري هنري والسويدي زلاتان إيبراهيموفيتش والإيطالي أندريا بيرلو وغيرهم الكثير… أسهم في تركيز القيّمين في البلاد على تطوير اللعبة وزيادة الاهتمام بتحسين الفرق والأكاديميات، فاكتسبت كرة القدم شهرة أكبر في الأوساط الرياضية الأميركية وانتشر العديد من المواهب المحلية الشابة بين كبار الفرق الأوروبية، ما انعكس إيجاباً على المنتخب الوطني. لطالما أعطى المنتخب الأميركي نكهةً خاصة للبطولات القارّية التي يشارك فيها. المنتخب الذي وصل من مشاركته الأولى إلى نصف نهائي مونديال 1930، تعوّد أن يكون نداً قوياً للمنتخبات الأخرى بفعل قوة لاعبيه البدنية وسرعاتهم العالية، غير أنه يتصف اليوم بالمهارة والانتظام التكتيكي أيضاً.

من الظل الى الواجهة
في العقد الماضي، كان هناك "سقف زجاجي" لا يستطيع اللاعبون الأميركيون كسره، حيث اقتصرت مشاركة بعضهم مع الفرق الأوروبية "المتوسطة". ظهر جلياً تميز الحراس الأميركيين، حيث اشتهر في الألفية الجديدة تيم هوارد وبراد غوزان في الدوري الإنكليزي الممتاز. في حين أخذ الحراس القطعة الأكبر من قالب الحلوى، فشل اللاعبون الآخرون في ترك بصمة واضحة، حيث اقتصرت مشاركاتهم في وسط الجدول أو مع الفرق المهددة بالهبوط. برز من أولئك اللاعبين كلينت ديمبسي برفقة توتنهام الانكليزي ومايكل برادلي مع روما الايطالي، ونشَر هذان اللاعبان تحديداً، قبل عدة مواسم فقط، الأفراح في الأوساط الأميركية، حيث كانت تلك الوجهات مهمة ورائدة "للاعب أميركي"، مع العلم بأن ناديي توتنهام وروما قد فازا بلقب دوري واحد في العقود الثلاثة الماضية.
انقلبت الآية اليوم وارتقت التطلّعات، حيث أصبح وجود أي لاعب أميركي ضمن فرق النخبة حول العالم "أمراً عادياً". لاعبون واعدون مثل كريستيان بوليزيتش برفقة تشلسي الانكليزي، وتايلر آدامز مع لايبزك الالماني، وينستون ماكيني في صفوف يوفنتوس الايطالي، وهناك ايضاً جيوفاني راينا بروسيا دورتموند الالماني، وليس أخيراً سيرجينو ديست برفقة برشلونة الاسباني... أسماء رفعت سقف تطلعات المنتخب للاستحقاقات المقبلة بغية العودة إلى المسار الصحيح ومحاولة اعتلاء المنصات القارّية، وهو ما أكّده لاعب برشلونة الجديد عندما توعّد بأن الجيل المقبل للولايات المتحدة سوف "يبهر العالم".
يبلغ متوسط ​​أعمار اللاعبين في المنتخب 21 عاماً و 300 يوم


مشروع متكامل
انتشار المواهب الأميركية اليوم في الدوريات الكبرى ليس وليد الصدفة، بل هو "نتيجة مشروع بدأ قبل 13 عاماً"، بحسب مدير كرة القدم الأميركية لتحديد المواهب الصاعدة توني ليبور. وفي تصريحات له يقول ليبور لموقع Sports illustrated :"هذه ليست سوى البداية. من الواضح أن الأكاديميات تطور المزيد من اللاعبين المستعدين لإجراء هذا الانتقال من الأكاديمية إلى عالم الاحتراف، وهم أكثر استعداداً من أي وقت مضى. إنهم ليسوا جاهزين فحسب، ولكن ما نراه الآن هو أنهم مستعدون للذهاب إلى المستويات العليا دولياً وإحداث الفرق. إنهم لاعبون شباب لهم تأثير حقيقي ويساعدون فرقهم في تحقيق النتائج". وعند سؤاله عن آلية تدريب الشباب وكيفية تطوير مواهبهم في الفترة الأخيرة، قال ليبور إن "الأكاديميات غيّرت كرة القدم بالنسبة إلى شباب أميركا ونقلت اللاعبين إلى بيئة مختلفة تماماً، حيث تدربوا فيها معاً لمدة 10 أشهر سنوياً تحت إشراف مدربين اختصاصيين، كما تنافس اللاعبون ضد الفئات العمرية الأكبر سناً، ما سرّع في عملية التنمية. إضافةً إلى ذلك، جعلت أندية MLS اللاعبين الشباب على اتصال بأعضاء الفريق الأول، ما سمح لهم بالتدريب والتعلم جنباً إلى جنب مع المحترفين البالغين".
هكذا، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أحد أفضل الأجيال لها منذ سنواتٍ طويلة، وهو ما أسعد مدرب المنتخب غريغ بيرهالتر الذي قال إن "هذه هي الطريقة التي تبدأ بها لتحقيق الفوز باستمرار. تحتاج إلى الجودة. عندما يكون لديك لاعبون يلعبون على هذا المستوى، فهذه بالتأكيد جودة. عندما اعتدنا اللعب في أيامنا، كنا نصطف ضد فرانشيسكو توتي أو رونالدو أو كريستيان فييري، ونتسارع لمبادلة زيهم الرسمي بعد المباراة. الآن لدينا شباب يتدربون مع لاعبين من طينة أولئك الرجال. إنه مستوى مختلف".
يتميز منتخب الولايات المتحدة الأميركية بمعدل الأعمار المنخفض، حيث يمتلك الفريق الوطني للرجال واحدة من أصغر قوائمه العمرية تاريخياً المستدعاة هذا الأسبوع لمباراتي ويلز (لُعبت مساء أمس) وبنما (ستلعب نهار الإثنين، 21:45 بتوقيت بيروت)، ويبلغ متوسط ​​عمر الفريق 21 عاماً و 300 يوم. هذا وقد استعان غريغ بالمدرب الأولمبي للرجال الأميركيين جيسون كريس كمساعد له، حيث يسعى الأخير لإشراك بعض لاعبي المنتخب الأولمبي تحت 23 سنة برفقة المنتخب الأول، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2008.
لا يزال من المبكر الحكم على المنتخب الأميركي لكرة القدم، غير أن جميع المؤشرات تنبئ بجيلٍ قوي وواعد. الولايات المتحدة ليست بعيدة عن تشكيل فريق يمكنه إحداث "ضوضاء" في المونديال المقبل، على أن تحاول معانقة الذهب في كأس العالم التي ستستضيفها برفقة كندا والمكسيك عام 2026.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا