بعد مخاضٍ عسير عادت الحياة جزئياً إلى ملاعب كرة القدم في لبنان عبر إقامة دورة «الكابتن» الوديّة (كأس الشهيد محمد عطوي) التي حلّت بشكلٍ غير رسمي بدلاً من مسابقتي النخبة والتحدي، لتعطي الفرق المشاركة فيها إحساساً نوعياً بالمنافسة التي افتقدت لها منذ إلغاء الموسم الماضي إثر التحركات الشعبية في مختلف أنحاء البلاد.شعورٌ افتقدت له الفرق بالفعل، ولم تتمكّن من تعويضه المباريات الحبيّة التي يكون تعامل المدربين واللاعبين معها مختلفاً مقارنةً باللقاءات التي تُحسب فيها النتائج الفنية، فتُحوّل إلى نقاط أو تؤهّل حاصديها إلى الأدوار الإقصائية.
المهم أن مشاهد عدة تركتها هذه الدورة يمكن أن تعكس صورة أوليّة عن الموسم الاستثنائي الذي ستكون فيه الصورة مختلفةً كثيراً عن المواسم الماضية، حيث سيغيب الجمهور كليّاً بسبب أزمة «كورونا»، وسيغيب العنصر الأجنبي أيضاً بسبب أزمة الدولار.
ومن النقطة الأولى يمكن الانطلاق في الحديث، إذ أنه رغم الهموم الكثيرة التي يعيشها اللبنانيون، ورغم الحديث عن تراجع عام في المستوى الفني هذا الموسم بحكم عدم استعداد الفرق بالشكل المناسب وغياب الأجانب، فإن هناك من لا يزال يؤمن بهذه اللعبة ويعيشها بشغف. وهنا الكلام عن أولئك الذين قاتلوا يومياً بكلّ ما للكلمة من معنى لدخول ملعب العهد ومتابعة فريقهم المفضل، ومن عجز منهم عن تحقيق مبتغاه تسلّق أسوار الملعب حاجزاً مكاناً له، رغم نقل المباريات عبر صفحات الفرق على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر شاشة التلفزيون كما حصل في النهائي. حبّ الكرة عند الصغار والكبار لم يتبدّل أبداً، فهم يرون مؤازرة فرقهم واجباً من أقرب مكانٍ إلى المدرجات، وما عرفتْه المباراة النهائية بين النجمة والأنصار من حضورٍ جماهيري من خارج الملعب يرجّح أن يتكرر ابتداء من مباراة السبت بين النجمة والصفاء على ملعب جونية البلدي في ظلّ وجود مؤشّرات عن تحضيرات نجماوية لافتراش محيط الأوتوستراد والملعب وتشجيع الفريق «النبيذي» رغم أن المباراة ستكون فاتحة المباريات المنقولة تلفزيونياً.
وهذا الشغف الموجود لمستْه أندية عدة جهدت بشكلٍ أو بآخر لتعزيز فرقها، حيث يمكن لمس هذا الأمر من خلال رؤسائها الذين اتّخذوا مساراً جديداً يتناسب مع الواقع المفروض، فبات الاعتماد اليوم على العنصر المحلّي، وهو العنصر الذي كان الأقوى لدى نادي العهد وسمح له بالسيطرة على لقب الدوري في المواسم الأخيرة. ومن الدورة التي استضافها على أرضه عرف الفريق الأصفر أن عملاً لا بأس به ينتظره في مدةٍ زمنية قصيرة قبل انطلاق الدوري لإعادة ترتيب أوراقه، خصوصاً بعدما تغيّرت هيكلية الفريق من دون السوري أحمد الصالح والغاني عيسى يعقوبو. ولهذا السبب كانت مسارعة الإدارة إلى تعيين المدرب رضا عنتر مديراً فنياً، حيث ستكون مهمته الأساسية سدّ الثغرات بحسب رؤيته، كون الخسارة أمام النجمة (2 – 4)، ليست بالمسألة العابرة بل كشفت عن مشكلات في التمركز والتركيز لدى عددٍ كبير من اللاعبين الأساسيين.
الفوارق في المستوى في بعض المباريات ستظهر لا محالة بسبب احتكار فرق المقدّمة للاعبين الدوليين


النجمة هو الآخر قدّم مستوى جيّداً، لكن عابه فترات الصعود والهبوط بين شوطٍ وآخر أو مباراة وأخرى. هو أمر ليس بالمستغرَب كون الفريق لا يزال في فترةٍ تحضيرية، لكن يمكنه أن يكون راضياً حيال ما ترجمه على أرض الملعب، ففريق المدرب موسى حجيج أظهر رغبةً كبيرة في تقديم الأفضل، حيث بدا اللاعبون من خلال المجهود الذي قدّموه وكأنهم في خضم المنافسة على اللقب الأهم في لبنان. كما كشفت هذه الدورة أنّ بإمكان حجيج الاعتماد على الوجوه الشابة بشكلٍ كبير، أمثال أندرو صوايا ومهدي زين وخليل بدر، بينما أكد محمود سبليني بتتويجه هدافاً للدورة (6 أهداف) أنه تطوّر كثيراً خلال فترة غيابه عن النادي، وبات بإمكانه قيادة خط الهجوم وتعويض فقدان اللاعب الأجنبي في مركز رأس الحربة الذي لطالما خلق مشكلة للنجماويين.
أما أكثر المتفائلين بعد هذه الدورة فهو فريق الأنصار، إذ إلى جانب اندماج العناصر الجديدة سريعاً في منظومته، أمثال الثنائي الهجومي أحمد حجازي وكريم درويش، والمدافع خالد العلي، فهو يمكنه أن يرتاح بعد الأداء الذي قدّمه حسن معتوق (سجل 5 أهداف) وحسن شعيتو «موني»، اللذين خلقا ثنائياً رهيباً يُفترض أن يتعزّز أكثر مع وصول نادر مطر إلى الفريق، خصوصاً في حال أُسند إليه دور هجومي حرّ انطلاقاً من مركزه في خط الوسط.
الواقع أن الأنصار هو بحسب المتابعين الفريق الذي يُفترض أن يهابه الجميع في الموسم الجديد، في ظلّ اكتمال صفوفه ووجود خيارات مختلفة في كلّ مركزٍ لدى المدرب العراقي عبد الوهاب ابو الهيل الذي حصل على فرصة العمر بتدريب «الأخضر» في ظل الدعم اللامحدود الذي خصصته الإدارة له من أجل ضمّ أي لاعبٍ يحتاج له، لكن شرط إحراز اللقب الغالي على قلوب الأنصاريين.
وبعيداً من ثلاثي المقدّمة كما هو متوقّع، فإنه لا يمكن إصدار حكم نهائي في ما خصّ الفرق الأخرى، وخصوصاً فريقي شباب الساحل والبرج، اللذين من المفترض أن يشكلا إزعاجاً للفرق المرشحة في المقام الأول لحصد اللقب. الفريقان لا شك في أنهما يضمّان عناصر مميزة، لكن الثبات في المستوى لم يكن نهائياً، وخصوصاً من ناحية البرج الذي لم يسجل إلا هدفاً واحداً خلال 270 دقيقة لعبها أي خلال مبارياته الثلاث في الدور الأول!
وبغضّ النظر عن الكلام حول مستوى الساحل والبرج أو جاره شباب البرج، فإنّ الفوارق في المستوى في بعض المباريات ستظهر لا محالة، إذ يكفي أن تحشد الفرق أفضل اللاعبين الدوليين في تشكيلاتها لندرك هذه المسألة، فالواضح أن مستوى الكثير من اللاعبين في فرقٍ مختلفة لا يؤهلهم للعب في الدرجة الأولى أو يفتقد بعضهم إلى خبرة دوري الأضواء. لكن في هذا الإطار بالتحديد لا يمكن لوم الأندية، إذ إن الصعاب التي تعيشها حالياً مقاومةً الوضع السيئ في البلاد يفرض احترام مجرد مشاركتها، أيّاً تكن نتائجها في موسمٍ سيكون شكله وإطاره غريباً جداً على الجميع.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا