هو الأسبوع الأخير للموسم الأجمل منذ سنوات في ليفربول. موسم استثنائي بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. توّج «الريدز» قبل أشهر بالبطولة الأهم أو «الأمجد» كما يُقال عنها، وهي دوري أبطال أوروبا، ولكن البطولة الأغلى كانت «البريميرليغ»، فهي التي استعصت على خزائن ليفربول منذ موسم 1989 ـ 1990. احتفل لاعبو «الريدز» طويلاً مع الكأس، وكذلك فعل المدرب «المحنك» يورغن كلوب الذي أوفى بجميع الوعود التي قطعها منذ أن وصل إلى مدينة شمال ـ غرب إنكلترا.يورغن كلوب ومنذ اليوم الأول الذي وصل فيه إلى ملعب أنفيلد (6 أكتوبر/ تشرين أول 2015) وعد جميع عشاق ليفربول بالألقاب، لكنه طلب منهم الصبر لكي يتمكّن من بناء منظومة قوية وقادرة على المنافسة محلياً وقارياً. لم تُفتح خزائن النادي على مصاريعها أمام المدرب الألماني، إلّا أنه وبذكائه استطاع أن يحصل على ما يريد. بعد 9 أشهر من ترؤسه العارضة الفنية للفريق الإنكليزي خلفاً للمدرب الإيرلندي الشمالي براندن روجيرز، قاد كلوب ليفربول إلى نهائيين، هما الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ» وكأس الرابطة الإنكليزية، ولكنه خسرهما أمام إشبيلية الإسباني ومانشستر سيتي تباعاً.

انتقالات بالجملة
في تلك المرحلة بات واضحاً للجميع وخاصّة الإدارة أن يورغن كلوب يمتلك مشروعاً متكاملاً وخطة واضحة للنهوض بالفريق، لذلك فُتحت أمامه خزائن النادي للقيام بالتعاقدات المطلوبة. في الميركاتو الشتوي لعام 2016 تعاقد كلوب مع
الصربي ماركو غوريتش، قادماً من رد ستار بيلغراد في صفقة وصلت قيمتها إلى 7 ملايين يورو. في فترة الانتقالات الصيفية من العام نفسه تعاقد كلوب مع السنغالي المميّز ساديو مانيه مقابل حوالى 40 مليون يورو، والهولندي المتألّق جورجينيو فينالدم (27.5 مليون)، إضافة إلى الحارس لويس كاريوس والمدافعين كلافان وجويل ماتيب. بعد تدعيم الفريق بدأ كلوب بوضع لمساته لكشف نقاط القوة والضعف، وبالفعل انتظر حتى صيف عام 2017 ليعود ويتعاقد مع النجم المصري محمد صلاح قادماً من روما الإيطالي مقابل 42 مليون يورو، ثم وقع مع أليكس تشامبرلين مقابل 38 مليون يورو، والظهير الرائع أندي روبرتسون من هال سيتي مقابل 9 ملايين يورو. وفي تلك الفترة أيضاً ظفر كلوب بخدمات دومينيك سولانكي من نادي تشلسي بصفقة مجانية بعد أن رفض تجديد عقده مع البلوز.
أنفق يورغن كلوب خلال 4 سنوات حوالى 437 مليون يورو على الانتدابات


طوال هذه الفترة عمل كلوب بهدوء، كان يحقّق نتائج مقبولة جداً، ويعمل على سد نقاط الضعف. حينها برزت مشاكل كبيرة في الخطّ الخلفي، حيث لم يقدم لوفرين وماتيب الأداء المتوقّع منهما، ليضع كلوب الهولندي القوي فيرجيل فان دايك ضمن حساباته، ويظفر بتوقيعه لاحقاً مقابل 79 مليون يورو. نجح المدرب المحنّك ببناء منظومة قوية جداً، خاصّة في الخط الأمامي عبر «صلاح ـ مانيه ـ فيرمينو» وفي الخطّ الخلفي مع «فان دايك ـ روبيرتسون ـ آرنولد» فيما كان خط الوسط متوازن إلى حدّ كبير في ظلّ وجود جوردان هندروسن، إلى جانب كلّ من نابي كايتا، فينالدوم، فابينيو، جايمس ميلنر، شيردان شاكيري ومينامينو وغيرهم من اللاعبين الجيدين. في ذلك العام (2018) وصل ليفربول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في كييف، ولكنه خسره بسبب سوء حراسة المرمى لصالح ريال مدريد الإنكليزي. في تلك المباراة ارتكب الحارس كاريوس أخطاء «ساذجة» أعطت اللقب للنادي الملكي، فوافقت الإدارة بعدها على طلب كلوب بالتعاقد مع حارس روما البرازيلي أليسون بيكر، فيما خرج كاريوس من الفريق على سبيل الإعارة.


خطة كلوب كانت واضحة، فهو بنى استراتيجية التعاقدات بحسب الحاجة. كل منطقة أو مركز ضعيف في المنظومة يقوم بتدعيمه، بعد أن يقنع الإدارة بالفكرة عبر التجربة. خسر ليفربول الكثير من المباريات إلى أن وصل إلى المنظومة المتكاملة التي استطاع عبرها الفوز بأربعة ألقاب كبيرة وهي «دوري أبطال أوروبا 2019 ـ كأس السوبر الأوروبي 2019 ـ كأس العالم للأندية 2019 وبطولة الدوري الإنكليزي 2020»، كما |أنه اليوم بات قادراً على المنافسة في جميع البطولات التي يشارك فيها محلياً وأوروبياً.

منافسة استثنائية
قوة ليفربول اليوم تكمن في المنظومة. النادي الإنكليزي لا يعتمد على لاعب واحد أو اثنين، بل على منظومة متكاملة مبنيّة بشكل سليم لكي تهاجم وتدافع وفق فلسفة المدرب. وفي هذا الإطار قال نجم ليفربول التاريخي ستيفن جيرارد إن التعاقد مع الثنائي أليسون بيكر وفيرجيل فان دايك، نقل ليفربول إلى مستوى آخر. وبحسب وجهة نظر جيرارد فإنّه ليس من الإنصاف منح الثنائي ساديو ماني ومحمد صلاح الثناء بمفردهما، في حين أن لاعباً مثل جوردان هندرسون كان بنفس الأهمية. وأوضح: «اللاعبان الرئيسيان من حيث الأهمية في ليفربول هما الحارس أليسون بيكر وفيرجيل فان دايك. أعتقد أن ليفربول كان فريقاً جيداً مثيراً قبل قدوم أليسون وفان دايك، لكن الثنائي حوله تماماً إلى فريق من الطراز العالمي، ووصل إلى الكمال معه، إنهما استثنائيان تماماً».
ورغم كلّ ذلك فإنّ نقطة ضعف قاتلة يعاني منها ليفربول، وهي لا شك ستؤثر عليه مستقبلاً إذا لم يعمل على علاجها. كتيبة المدرب الألماني تفتقر إلى اللاعبين الاحتياطيين. في معظم المراكز هناك لاعب واحد، ولا يوجد لاعب بمستوى عالٍ قادر على تعويضه في حال أصيب أو خرج من داخل أسوار أنفيلد، خاصة مع ثلاثي المقدمة، إذ أنّ شاكيري لم يثبت نفسه بالشكل المطلوب، ولا يوجد من هو قادر على لعب دور صلاح أو مانيه أو فيرمينيو بالصورة المطلوبة. على مستوى الدفاع الأمر مشابه، إذ أنه لا يوجد بديل حقيقي لفان دايك، حتى أن لوفرين اليوم يعاني من تراجع كبير في المستوى وهو قريب من الخروج من قلعة أنفيلد. وعلى مستوى خطّ الوسط برز الضعف عندما أصيب هندرسون خلال الموسم.

ليفربول بحاجة اليوم إلى تدعيم صفوفه من أجل الاستمرار في القمة، خاصة في وقت تحتدم المنافسة في الدوري الإنكليزي الممتاز بين أكثر من فريق. مانشستر يونايتد جاهز للتوقيع مع أيّ لاعب يريده، مستفيداً من الوفرة المالية في خزائنه، وهو تحسّن بشكل ملحوظ بعد أن تعاقد مع البرتغالي برونو فيرنانديز في الفترة الماضية. ومن جهته استفاد مانشستر سيتي من نجاته من العقوبة الأوروبية (منعه من المشاركة في دوري أبطال أوروبا بسبب خرق قواعد اللعب المالي النظيف)، وبالتالي سيسعى لتدعيم صفوفه من أجل المنافسة خلال الموسم المقبل، كما أنه سيحافظ على أبرز نجومه، وبينهم رحيم ستيرلينغ وكيفين دي بروين. وفي السياق ذاته يقدّم تشلسي أداء مميزاً مع فرانك لامبارد، وهو وقّع أخيراً مع المغربي حكيم زياش للمنافسة مستقبلاً، كما أن توتنهام ـ جوزيه مورينيو سيكون له كلام آخر في سوق الانتقالات من أجل ترك بصمة في قادم المواعيد...
الأجواء تنافسية جداً في إنكلترا خلال هذه الفترة، وهو ما قاله كلوب نفسه الذي اعتبر في حديث صحافي أن المنافسة الموسم المقبل ستكون رباعية، ولن تنحصر بين ليفربول والسيتي. وشدّد كلوب على أن مانشستر يونايتد وتشلسي سيكونان في قلب الصراع على البريميرليغ. وبالتالي فإنّ ليفربول بات مطالباً بتدعيم صفوفه، والإبقاء على تركيزه من أجل المنافسة على الألقاب المحلية والأوروبية، وعدم الدخول بالدوامة ذاتها، أي الانتظار 30 سنة أخرى من أجل العودة إلى منصّات التتويج. الجماهير لن ترحم النادي أو الإدارة في حال تراجع المستوى، وبالتالي على اللاعبين والمدرب والإدارة وضع خطة واضحة للمنافسة على جميع الألقاب الممكنة، لكي تبقى «الأفراح عامرة» في ديار ليفربول وعشاقه.


ضبط الميزانية


نقل العديد من وسائل الإعلام الإنكليزية أخباراً تؤكّد أن ليفربول وضع عدداً من اللاعبين على لائحة البيع، وذلك من أجل تخفيف أعبائه المالية، وتوفير بعض المال لشراء لاعبين آخرين. ورجّحت المصادر أن يكون المدافع ديان لوفرين أول المغادرين، كما الظهير الأيمن ناثانييل كلاين. أمّا اللاعب الآخر الذي سيخرج من أسوار أنفيلد هو صانع الألعاب الإنكليزي آدم لالانا. ونقلت مصادر عن مدير التعاقدات في الفريق رغبته ببيع الحارس الألماني كاريوس والجناح السويسري شيردان شاكيري الذي عانى من الإصابات. ومن المتوقّع أيضاً أن يبيع ليفربول لاعبَيه المعارين وهما ماركو غوريتش «المعار لصفوف هيرتا برلين الألماني»، وهاري ويلسون مهاجم بورنموث.