تكاد مشاكل نادي الحكمة لا تنتهي، إذ تتغيّر أسماء رئيس وأعضاء الإدارة، لكن العراقيل تبقى حاضرة، وتتنوّع وتتجدّد، فيعيش الجمهور الكبير قلقاً متواصلاً، ويبتعد النادي الأخضر أكثر فأكثر عن دائرة المنافسة على الألقاب بعدما كان سيّدها محلياً وعربياً وآسيوياً في كرة السلة تحديداً.نادي الحكمة عاد اسمه الى التداول مجدداً، لا بسبب الحديث عن استقالة جورج بركات سابقاً، أو استقالة القاضي داني شرابية أو المحامي كميل سعادة حديثاً، بل لأن خروج الهيئة الإدارية الحالية في هذه الفترة الصعبة التي تعيشها البلاد والرياضة أيضاً، يعني أن النادي سيصبح في مهبّ الريح، وخصوصاً أنه يصعب في الوقت الحالي إقناع أي أحد بتسلّم «كرة النار»، وتأمين الدعم اللازم لنادٍ يملك فريقاً في كرة القدم وآخر في كرة السلة، ما يعني أن ميزانيته ليست بالأمر البسيط.
القصص المتداولة كثيرة، ومنها ما يحكي عن انقسامٍ داخل الإدارة، ومنها ما يرمي الى عدم تمكن الإدارة الحالية من حلّ المشاكل المتراكمة، والتي كانت تُختصر بديونٍ متراكمة على النادي بلغت 2.5 مليون دولار. رقمٌ مخيف فعلاً تمّ تقليصه تباعاً حتى وصل الدين الحالي الى 975 ألف دولار، يتوزّع بين قضايا مرفوعة على الحكمة وفاز أصحابها بالدعاوى، وبات لزاماً على الإدارة دفعها لهم، وبين مصاريف أخرى ترتبط بشركاتٍ خاصة تمّ التعامل معها لتأمين أمورٍ لوجستية.
النادي كان قد تصرّف بالفعل واستمزج آراء بعض العارفين بالقوانين الرياضية الدولية، وتحديداً قضايا المحكمة الرياضية في الاتحاد الدولي لكرة السلة (BAT) ناقلين أسئلة خاصة بمهل الدفع وغيرها الى مراجع دولية خرجت منها إجابات تركت دلالات بأن المسألة معقّدة الى حدٍّ كبير.
المهم أن الأمور لا تقتصر على المسائل المالية، ولو أن الحكمة يحتاج بحسب مصادره الى 700 مليون ليرة لفريق كرة القدم، وأكثر من مليار ليرة لفريق كرة السلة، بل إن هناك جانباً آخر لا يعرفه سوى العالمين بخبايا الأمور أو أولئك الموجودين في الدائرة الضيّقة لأصحاب القرار. وهذا الجانب يُختصر بمشكلة طارئة تراكمت في الأشهر الأخيرة بين النادي ومطرانية بيروت المارونية التي تتبع لها مدارس الحكمة وناديه.
وصول المطران بولس عبد الساتر الى المطرانية كان له وقعه الخاص، فهو قام بعملٍ كبير لناحية إعادة هيكلة المطرانية والمدارس. كما لحظ بشكلٍ واضح مساعدة الطلاب في ظلّ الأزمة التي عانى منها القطاع التعليمي ورواده، حيث عجز كثيرون عن دفع الأقساط المدرسية، فكانت المطرانية حاضرة لأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
من هنا، كان من الصعب على المطرانية رعاية النادي وتأمين أي جزء من ميزانيته غير البسيطة بسبب وجود أولويّات لديها، وهو أمر تفهّمته إدارة النادي التي لم تكن أصلاً لتحصل على مبلغٍ يمكن أن يسدّ جزءاً قليلاً من ديونها، فعمدت الى التخطيط لمشاريع يمكن أن تجلب الأموال الى خزينة الحكمة، ومنها يرتبط بإنشاء أكاديميات وتأهيل الملعب في عين سعادة.
انفصال النادي عن المطرانية سيُلحق به خسائر مباشرة مختلفة الأوجه


وفي خضم هذا العمل، صارح المطران عبد الساتر الإدارة في لقاءٍ مع وفدٍ منها، طالباً فكّ الارتباط بين المطرانية والمدارس من جهة، ونادي الحكمة من جهة أخرى.
طرحٌ لا شك في أنه من أصعب الطروحات التي يمكن أن توضع على طاولة أي إدارة حكماوية، وخصوصاً أن المطرانية كانت دائماً الحاضن للنادي، والمدارس كانت الخزان الأساس للاعبين في ما مضى، وطبعاً الرافد الحيوي للجمهور الكبير الذي شكّل علامة فارقة ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي. لذا لم يكن مستغرباً أن يردّد رئيس النادي إيلي يحشوشي في أكثر من مناسبة بأن من المستحيل أن يوقّع على الموافقة على أي طرحٍ من هذا النوع.
وهذا الطرح كان بحسب المطران، نقلاً عن مديري المدارس، بهدف إبعاد النادي عن التجاذبات السياسية التي حضرت في فترةٍ ما حوله، وطبعاً بعد انزعاجٍ من خروج قسمٍ من المشجعين، رافعين شعارات سياسية مترافقة بهتافات من النوع عينه في المدرجات.
لكن القبول بهذا الفصل يتطلّب مسؤولية كبيرة من قبل أي إدارة لأن فك الارتباط بالمطرانية سيوقع النادي في خسائر مباشرة، على رأسها فقدانه ميزة حصوله على 3 عقارات؛ بينها المدينة الرياضية الخاصة به في عين سعادة، والتي وضعت تحت تصرفه طالما هو قائم بقرارٍ من المطران الراحل خليل أبي نادر، ما يعني أن خروج النادي من عباءة المطرانية سيعيد قانونياً كل ممتلكاته الى مطرانية بيروت المارونية، ويصبح من دون مقرٍّ أو ملعبٍ أو حتى صرحٍ كبير لطالما تغنّى بارتباطه به، وحرّك من خلاله عواطف رؤساء ونواب ووزراء تخرّجوا في مدارس الحكمة وعادوا لدعم النادي إيماناً منهم بردّ الجميل الى من كان وراء نجاحاتهم في المجتمع وعالم الأعمال والسياسة.
ومنذ ذاك الطلب، شرعت الإدارة الحكماوية في السير بخططها لناحية تنفيذ مشاريعها، ومنها مشروع خيري شاءت ألا يخرج الى الإعلام، وسبق أن طلبت مباركة المطرانية للبدء في تنفيذه، ويهدف الى توزيع المساعدات الغذائية والأدوية. كما عادت الإدارة وراسلت المطرانية في محاولةٍ للتقرّب منها مجدداً، لكن الخطوط بقيت مقطوعة بين الطرفين، رغم محاولات فردية من حكماويين فاعلين لإيجاد حلحلة للأمور العالقة.
لذا، ومع تراكم المشكلات وتنوّعها وعدم وجود أفقٍ واضح، وجدت الإدارة نفسها مكبّلة ومحرجة وأمام مسؤوليات كبيرة، فلا يخفى أن لاعبين كثراً يرتبطون بعقودٍ مع النادي، وبالتالي لا يمكن إبقاؤهم قيد الأسر وسط مطالبتهم بالحصول على مستحقاتهم، وفي موازاة تلقّي العديد منهم عروض انتقالٍ الى أندية أخرى، وهي مسألة حساسّة بالنسبة إليهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي أفرزت ليونة لدى معظمهم لإعادة الجلوس حول طاولة التفاوض وإيجاد آلية للتوقيع على عقودٍ جديدة تلتقي مع صعوبات المرحلة الحالية.
لكن هذه المرحلة بالتحديد هي أصعب على كل الأطراف الحكماوية، إذ إن نادياً عابراً للطوائف بلاعبيه وجمهوره وعمره من عمر الاستقلال، ورغم كل النزاعات الداخلية التي مرّ بها، لا يرى الحكماويون أن مسألة تغيير صورته المعروفة هي أمر يصبّ في مصلحته أو في مصلحة مؤسسة الحكمة بشكلٍ عام، ويسألون إذا ما كان المطران سيقبل فعلاً بالسير في طريق إلغاء تاريخ نادٍ عريق طبع بيروت بطابعه الخاص. ففي نهاية المطاف، لطالما كانت الرسالة الرياضية الحكماوية مرادفة للرسالة التربوية التي نشأ النادي على أساسها، حيث اقتدى بتعاليم مرجعيتها ليكون فعلاً نادياً من منطقة الأشرفية، لكن لكل لبنان، مترجماً أقلّه هذا الشعار من خلال إنجازاته الكثيرة للرياضة اللبنانية.