اجتماعٌ مرتقب دعا إليه الاتّحاد اللبناني لكرة القدم يوم الاثنين المقبل للتباحث مع الأندية في صورة الموسم المقبل واستطلاع الآراء وتبادل الأفكار. لكن هناك نقطة تحدث عنها مسؤولون في الأيام الأخيرة وهي ما يفترض التوقف عنده، وترتبط بالدورة الوديّة المزمع إطلاقها والتي قيل إن المشاركة فيها ستكون إجبارية.الكلمة الأخيرة وحدها تكفي لفتح الباب على سؤالٍ يرتبط بمدى جهوزية الأندية لإطلاق استعداداتها، إذ لا يخفى على أحد أن المشاكل الماليّة ستكون السبب الرئيس وراء عدم مشاركة بعض الفرق، وهو أمر اعترف به مسؤولون عنها والذين إذا ما أرادوا التحدث بتفاؤل أشاروا إلى مشاركة صُوَرية لن تغني أو تسمن الكرة اللبنانية.
هي فعلاً الأزمة التي تعصف بالجميع والتي يعرف الكل أنه بسببها لن يكون شيء كما في السابق، فالأكيد أنه لا يمكن لأيّ نادٍ السير بنفس النهج الذي اتّبعه في المواسم القريبة الماضية، وهو ما يضع الموسم المقبل في خطرٍ فعلي. وهنا الحديث ليس فقط عن إمكانية عدم مشاركة بعض الفرق، إذ إن هذا الأمر قد لا يحصل ولو أنه غير مستبعَد، بل إن مشاركتها على سبيل تأدية الواجب ستنعكس سلباً على مستوى اللعبة ومستقبلها لسنواتٍ عدة.

الجميع في قلب الأزمة
مخطئ أيضاً من يصنّف الأندية بين ميسور وفقير، إذ لطالما قيل إن أندية العهد، النجمة، الأنصار والبرج تتمتع باستقرارٍ مالي. لكن أقله هنا يمكن التوقّف عند «الثلاثة الكبار» والقول إن مشاكلهم الحالية هي أكبر من مشاكل غيرهم، ففي نهاية المطاف هم يرتبطون بلاعبين أصحاب عقود مالية كبيرة، وهو ما سيحتّم عليهم إعادة التفاوض مع كل لاعبٍ لإيجاد تسويات للتوقيع على عقودٍ بأرقام مختلفة. وهذه المسألة قد تفتح الباب على مشاكل متفرّقة، لكن لا بدّ من حصولها، إذ تشير المعلومات إلى أن معدل دفع كل واحدٍ من الفرق الثلاثة كرواتب شهرية وصل إلى 100 ألف دولار، ومع سعر الصرف الذي يصيب أرقاماً جنونية يومياً، يوازي ما يدفعه كل نادٍ شهرياً، الميزانية الموسمية لأحد أندية وسط الترتيب وفق عملية حسابية بسيطة تستند إلى سعر الصرف الرسمي المعتمد سابقاً في كل المعاملات المالية.
والأزمة هذه لا يمكن إغفالها أبداً، وخصوصاً بعدما قيل إن حضور 12 لاعباً فقط في تمارين الأنصار بعد استئنافها مردّه إلى خلافات مع بعض اللاعبين حول الأمور المالية فباتوا عملياً خارج حسابات النادي إذا لم يتوصلوا إلى اتفاقات جديدة معه.
كل هذا يأخذ إلى قناعةٍ يتّفق عليها أكثر من مصدرٍ إداري رفيع المستوى، حيث النظرة واحدة إلى الأندية التي برأيهم إن 80 في المئة منها لا تملك في الوقت الحالي القدرة المالية للمشاركة في الدوري بالحدّ الأدنى، ما سيفسّر عدم تجرّؤ البعض على إطلاق التمارين أو التريث في استئنافها حتى إيجاد الحلول الشافية التي يمكن أن تُبعد النادي عن أي صدامات مع اللاعبين.
80% من الأندية لا تملك القدرة المالية للمشاركة في الدوري بالحدّ الأدنى


مسألة يؤكدها رئيس نادي شباب الساحل سمير دبوق في اتصالٍ مع «الأخبار»، وذلك بعدما تردّد أنه سيترك منصبه، ما يضع فريق الضاحية الجنوبية في مهبّ الريح، وذلك للمرة الأولى منذ فترةٍ طويلة.
ويقول دبوق: «لا يخفى أن مسؤوليتنا أصبحت أكبر بفعل صعوبات تأمين العملة والأوضاع الاقتصادية المتفاقمة. الكل يعلم أنني أعمل في مجال الشركات المالية، وهو مجال تعرّض لأضرارٍ كبيرة حول العالم وليس في لبنان فقط». ويتابع: «يُفترض أن تنعقد الهيئة الإدارية للنادي هذا الأسبوع لاستعراض المرحلة المقبلة والمتوجبات، لأنه لن نقبل أن نلتزم باتفاقات ومن ثم ندخل في مشاكل مع اللاعبين». أما عن سبب عدم عودة الساحل إلى التمارين فيقول: «نحن لا نزال ندفع مستحقات متوجّبة علينا منذ الموسم الماضي لكي لا نخرج عن اتفاقاتنا، وبالتالي فإن هذا الأمر يؤثر على موضوع تجهيز ملعب حارة حريك الذي يتم تجديده إيذاناً بفتحه أمام تمارين فرق النادي، لكن الواقع أن الأمور أصبحت أصعب حالياً».

أين دور الأحزاب؟
بطبيعة الحال، يمكن الإشارة باستغراب إلى ما يمرّ به شباب الساحل أو غيره من الأندية التي لطالما حظيت برعاية خاصة، ومنها كانت خلفيتها سياسية لكنها كانت مقبولة لأنها ساهمت بشكلٍ أو بآخر بمساعدة الأندية على الوقوف على أقدامها. والواقع المرير حالياً يفرض بحسب إداري رفيع المستوى القبول بـ«استغلال» السياسيين للأندية شرط دعمهم لها على غرار ما فعلوا سابقاً، وقبل أن يديروا ظهرهم إثر وصولهم إلى غاياتهم الشخصية.
هي معادلة تنطبق على أندية كثيرة، وفعلاً تبدو مقبولة ـ ولكنها بدون أدنى شك ستؤثر سلباً على مستقبل اللعبة ـ إذ في نهاية المطاف لا يمكن إنكار انتشار الأحزاب في الكرة اللبنانية على مختلف المستويات الرسمية، فهم فرضوا ممثلين لهم في الاتّحادات المتعاقبة، وهم قالوا مراراً إنهم «أم الصبي» لهذا النادي أو ذاك، وما كان من الأندية إلّا أن تبعتهم وبايعتهم. إذاً حان الوقت لتساهم الأحزاب المختلفة بنجدة هذه الأندية في الوقت الذي تبدو فيه الدولة عاجزة عن إنقاذ الرياضة.

تتدرب 12 لاعباً من الأنصار بقيادة عبد الوهاب أبو الهيل (عدنان الحاج علي)

ويطول الكلام في هذا الشأن، لكنه يترك مساحةً حزينة واسعة عند سماع مصارحة أمين سر الاخاء الاهلي عاليه وائل شهيّب بأن ناديه الذي لطالما كان «الحصان الأسود» لم يعد لديه الحافز للتنافس، والاهتمام سيتركز على فرق الفئات العمرية والإناث. هو اعترافٌ ضمني بمشاركة صورية مقبلة للفريق الجبلي، ومثلها قد ترتبط بغريمه الصفاء الذي تركه داعمه غازي الشعار منذ فترة طويلة في ظل العبء المالي الكبير الذي أُلقي عليه لتأمين ميزانيّة غير بسيطة في ظل وجود نجوم كثر في الفريق بينهم الدولي زين طحان الذي رفع الصوت عالياً أخيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مناشداً الجهات المعنيّة بالنظر إلى حال اللاعبين التي وصلت إلى الحضيض.

مشهد الدرجة الثالثة
وبين الجنوب والشمال، وقفت فرق التضامن صور، الشباب الغازية، السلام زغرتا وطرابلس غالباً أمام مشاكل ماليّة، منها ما بقي مخبّأ ومنها ما طفا إلى العلن. وهذه الأندية قد تكون قادرة على المشاركة في الدوري من دون تعقيدات إذا ما قبل لاعبوها باللعب بـ«المونة» بحسب وصف عضوٍ سابق في الهيئة الإدارية لنادٍ جنوبي، إذ يمكن أن تستغل هذه الأندية الارتباط العاطفي لقسمٍ من لاعبيها بمناطقهم، ما قد يُفضي ربما إلى موافقة بعضهم حتى على اللعب من دون أي مقابلٍ مالي، وهو أمر سيؤثّر بدوره سلباً على المستوى العام للدوري ويقضي على الحافز لتقديم الأفضل من قِبل كل لاعب.
من هنا، لا يمكن استغراب دعوة بعض من هذه الأندية اللاعبين إلى التمارين بغموض، أي أنها لم تلقِ بالوعود أو تجبر أحداً على الالتحاق، بل تترك الأمور مبهَمة ومفتوحة على كل الاحتمالات. أضف اعتراف بعضها بأنها لن تقف في وجه أي لاعب يريد الرحيل إلى وجهةٍ يمكن أن تؤمّن له المطلوب.
اجتماعٌ مُرتقب دعا إليه الاتحاد اللبناني لكرة القدم يوم الاثنين المقبل للتباحث مع الأندية في صورة الموسم المقبل


الصورة يختصرها إداري شمالي قديم بالقول: «للأسف ستصبح صورة بعض الفرق على شاكلة فرق الدرجة الثالثة حيث تجد لاعبين دون المستوى البدني والفني المطلوب لعدم وجود ما يجبرهم على الالتزام بالتمارين. وسيكون هدف بعض الأندية جمع العدد القانوني من اللاعبين قبل كل مباراة لا أكثر بغضّ النظر عن مستوى وقدرات من يوقّع على كشوفاتهم».
أما ما يحتاج له الكل حالياً فهو خطة إنقاذية ترعاها الدولة اللبنانية لمساندة الاتحاد اللبناني وداعمي الأندية قبل السقوط إلى ما دون فئة الهواة، فالأندية كانت قد وصلت إلى مرحلة نصف احتراف أقلّه في الموسمين الأخيرين، لكن حتى دوري الهواة يحتاج إلى عنصر المال، وغياب هذا العنصر سيحوّل البطولة إلى ساحة للتسلية وتمضية الوقت لا أكثر بالنسبة إلى اللاعبين. والأخطر أن الناشئين سيفقدون الحافز للعب كرة القدم وسيهجرونها، والمميّز منهم سيبحث عن فرصةٍ خارج البلاد، خصوصاً أن جيل اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم بين الـ14 والـ15 عاماً أو نظراءهم الذين بلغوا سن الرشد وبدأوا يجدون مكاناً لهم في دوري الأضواء، سيتجهون للبحث عن لقمة العيش حرصاً على مستقبلهم.
كما أن الاسوأ هو أنه في غياب المال ستختفي استراتيجيات التطوير لأن بعض الأندية قد يضطر للاعتماد على أجهزة فنية محلية عديمة الخبرة، لتبدو بالتالي وكأنها تقوم بتشييد مبنى معتمدةً على عمال البناء من دون وجود مهندس يضع الأسس الصحيحة لضمان نجاح المشروع.
إذاً هي مسؤولية وطنية ستُلقى على عاتق الدولة إذا ما أرادت الحفاظ على الرياضة وإبقاءها على قيد الحياة، وتالياً إبعاد الشبان والشابات عن الموبقات، وترك أملٍ ولو بسيطٍ لهم بأن هناك ما لا يزال يستحق عناء الجهد والتعب في هذه البلاد.