لا يخفى أن عملية «شدّ حبال» ستبدأ بين الأندية واللاعبين في وقتٍ قريب جداً. وطبعاً إذا ما بدأت هذه العملية بهدوء ولطف، فإنها ستتحوّل في مكانٍ ما إلى خطرٍ على علاقة اللاعبين بأنديتهم، وخصوصاً إذا ما نادت هذه الأخيرة بأنها مظلومة هذه المرّة، في وقتٍ سيبقى فيه اللاعبون مصرّون على أنهم الذين يتضرّرون دائماً من أي مشكلة عامة في النادي أو خارجه.وهنا الحديث عن أزمة عقود مرتقبة، وهي تُختصر ببساطة بمسألة توقيع الأندية لعقودٍ احترافية مع عددٍ من اللاعبين، والتزام بعضها بدفع ما هو متفّق عليه في العقد الأصلي أو إذا صحّ التعبير، ما تمّ الاتفاق عليه قبل تراكم الأزمات في لبنان. في المقابل، خسرت هذه الأندية موسماً كاملاً حيث إنها لم تتمكّن من الاستفادة بشكلٍ مثالي من اللاعب بحسب ما تجيزه الفترة الزمنية للعقد، وهو ما يُعتبر ضربةً مؤلمة لها، وتحديداً لتلك الأندية التي جهدت لإقناع هذا اللاعب أو ذاك بالتوقيع على أطول عقدٍ ممكن بهدف الاستفادة من خدماته.
وهذه المسألة تبدو حاضرة في حالاتٍ عدة في كرة القدم اللبنانية، وستفتح الباب بلا شك على الكثير من الأخذ والردّ في المرحلة المقبلة.

الحلّ بالتفاهم
نادي النجمة هو أحد الأندية التي عمّمت في أكثر من مناسبة أنها حريصة على دفع رواتب لاعبيها خلال الأزمة الحاصلة. وبلا شك لا يمكن معرفة حجم المستحقات التي تعطيها الأندية في فترة توقّف المنافسات، لكن رغم ذلك تعكس أي خطوة من هذا النوع التزاماً يمكن أن يفتح للنادي الباب لإقناع لاعبيه بالبقاء لفترةٍ أطول من تلك التي تنصّ عليها عقودهم.
ويقول أمين سرّ النجمة أسعد سبليني لـ«الأخبار»: «لا يمكن القول إننا فتحنا هذا الموضوع مع لاعبينا بشكلٍ مباشر، لكن ما أعرفه هو أن غالبيتهم يتفهمون الوضع الذي نعيشه، وبالتالي فإنّ أيّ اتفاقٍ مستقبلي جديد سيكون من خلال التفاهم وبالتراضي». ويتابع: «قد يقول البعض إن نصّ العقد واضح، لكن الغالبية الساحقة تقدّر موقف الإدارة بعدم تخلّيها عن اللاعبين في عزّ الأزمة، وحرصها على أن لقمة عيشهم هي مسألة مقدّسة. لذا فإنّ حرصنا على ألّا يلحق الغُبن بأيّ أحدٍ ولو أن كل أشكال الرعاية توقفت تقريباً». ويعقّب: «هذه المسألة تحديداً أعتقد أنها ستلعب دورها، وذلك في موازاة إدراك اللاعبين أن العقود ستختلف بعد «كورونا» والأزمة الاقتصادية من الناحيتين المادية والزمنية».
ويؤكّد سبليني أن ناديه سيعمل على حفظ حقوق كل لاعبيه عبر معالجة كلّ حالة على حدة «ولا نريد أن يخاف اللاعبون من مسألة توقيع عقد جديد، وهو ما سيعرفونه في المرحلة المقبلة التي سنتحضر فيها لقراءة الوضع معهم مع عودة النشاط، وكل شيء سيكون بالتراضي».

اللاعبون يرفضون الظلم
وأيّاً تكن المعادلة التي ستطرحها الأندية، قد ينادي قسمٌ لا بأس به من اللاعبين بالظلم، فهم أصلاً كافحوا للتخلّص من الارتباط بعقود مدى الحياة، عندما نقلوا أنفسهم إلى مرحلة عقودٍ تحدّد سنوات ارتباطهم بأنديتهم، وبالتالي فإنّ أي بحثٍ في أي تغييرٍ أو تمديدٍ غير منطقي (بالنسبة إليهم) في عقودهم سيفجّر أزمة قانونية.
النجم حسن معتوق على سبيل المثال كان قد وقّع على عقدٍ لمدة 3 سنوات مع نادي الأنصار، لكن الأخير لم يستفِد من لاعبه في موسمه الأول معه، وقد واظب على دفع راتبه بحسب الاتفاق الجديد بينهما، بحسب ما يؤكّد قائد منتخب لبنان.
لكن في حال أراد النادي البيروتي موافقة معتوق على البقاء معه لسنةٍ إضافية، ماذا سيكون ردّه؟
يدرس الاتّحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» تطبيق استثناءات مؤقتة بشأن عقود اللاعبين


يقول الرقم 7 بأن أي معادلة فرض تمديد عقدٍ من دون موافقة اللاعب هي مسألة ظالمة «لسنا وحدنا في العالم بل إن كرة القدم توقّفت في كل مكان، وبالتالي في حال صدر أي قانون يلحظ هذا الطرح فإننا كلاعبين سنوافق عليه على مضض». ويضيف: «كلنا نعلم أن اللاعب هو الحلقة الأضعف في الكرة اللبنانية وعانى غالباً من قرارات جائرة، وبالتالي جاءت العقود لتنظّم حياته المهنية وتحميه. أتكلم عن نفسي هنا، إذ وافقت على تقاضي نصف راتب بالليرة اللبنانية ووفق سعر صرف الرسمي، وهذا يُعتبر تضحية، ما يعني أنني لعبت دوري تجاه النادي ولم أتقدّم بأيّ شكوى ضده أو مطالبة بكامل مستحقات العقد».
ويوضح معتوق أن مبادرة أي نادٍ في تعويض المبالغ التي حسمها للاعبيه ستساعده بلا شك على إقناعهم بالالتزام معه لفترةٍ أطول، وذلك من باب ردّ الجميل بطريقة أخلاقية لا سلبية. ويعطي الجناح الهداف مثلاً عن نادي الأنصار «إذ رغم كل الظروف وقف نادينا ورئيسه إلى جانب اللاعبين من الناحيتين المادية والمعنوية بعكس ما فعله الكثير من الأندية والتي أعتقد أنها ستجد صعوبة في إقناع لاعبيها بالبقاء معها». ويختم: «يبقى الخيار الأول والأخير للاعب، لكن إذا ما صدر قرار في كل العالم لمصلحة الأندية فإن الجميع سيلتزم بالقانون».

القانون واضح ولكن...
ويبدو القانون واضحاً في هذا الإطار، وقد شرحه العضو السابق في الاتحاد اللبناني لكرة القدم المحامي جيرار حبيبيان في مقابلة تلفزيونية بقوله: «هنا نتوقف عند القوة القاهرة، وهو حدث غير متوقّع حصوله عند توقيع العقود، ويؤدي إلى تعقيدات في تطبيق الموجبات التعاقدية على غرار أزمة «كورونا» الحالية. القوانين الموجودة في الاتحاد الدولي واضحة، وبالتالي إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه فمن البديهي أن تفكر الجهة الناظمة العليا بحلول قانونية تسمح للاعبين والأندية بالتحرّر من الموجبات التعاقدية من دون أي تداعيات».
وبالفعل بدأ «الفيفا» بحسب رئيسه السويسري جياني انفانتينو يدرس تطبيق استثناءات مؤقتة بشأن عقود اللاعبين. وفي هذا الإطار أيضاً، يقول المحامي المتخصّص بالعقود جو يزبك لـ«الأخبار»: «هذا الموضوع مطروح بقوة في العالم حالياً، و«الفيفا» يعمل على إيجاد حلول بعد تصاعد أصوات عددٍ من الأندية».
ويشرح يزبك: «كل العقود المدنية والتجارية وعقود العمل يتمّ تعليقها خلال فترة القوة القاهرة، وقد ينطبق مبدأ تمديدها أوتوماتيكياً بحُكم القانون وبحسب المدة التي توقفت فيها خلال الفترة القاهرة، وبالتالي فإنّ العقد يعود إلى السريان مع انتهاء الظرف الذي أدى إلى تعليقه». ويضيف: «لكن في حال بقيت القوة القاهرة يصبح العقد غير قابل للتنفيذ، وهناك عقود تلحظ مسألة فكّ الارتباط خلال مدةٍ متّفق عليها سلفاً، لكن إذا لم يكن هذا البند موجوداً تطلّ مشكلة معقّدة».
ويبقى أن الاتحاد اللبناني سيلعب دوراً أساسياً في مسألة العقود، مع الأخذ بعين الاعتبار ما سيصدر عن «الفيفا» الذي يلزم الاتحادات الوطنية بقوانينه. وحتى صدور قرار رسمي يبقى أي تغيير في العقود مرتبط بقرار محكمة أو نصٍّ قانوني أو اتفاقٍ رضائي بين الطرفين.