قبل فترةٍ زمنية قصيرة لم يكن أحدٌ يكترث لدوري كوريا الجنوبية، ولا يعرف الكثيرون من متابعي كرة القدم في العالم اسم أي فريقٍ هناك. لكن الأسبوع الماضي تبدّلت الصورة تماماً، وبحث كثرٌ عن قناةٍ تنقل مباراة بين فريقين مجهولين بالنسبة إلى الباحثين، والسبب أن الكرة في كوريا الجنوبية عادت لتدور بعد توقّفها في البلدان المختلفة إثر تفشي وباء «كورونا».والحالة التي عاشتها كوريا ستتلاشى في نهاية الأسبوع الحالي. كيف لا والدوري الألماني سيستأنف نشاطه وسط شوقٍ كبير لمحبي المستديرة لمتابعة مباريات مباشرةً على الهواء تشفي غليلهم وتنهي معاناتهم جزئياً، بعدما افتقدوا إلى متعة الكرة طوال شهرين من الزمن. (يمكن أن يتم التأجيل مرة جديدة بعد ظهور حالات جديدة من فيروس كورونا أقلقت السلطات في البلاد).
إذاً من يحب الكرة الألمانية ومن لا يحب بطولتها، سيكونون في خندقٍ واحد الآن، فهم لا يملكون أي خيارٍ آخر سوى متابعة «البوندسليغا» حتى لو كانت فرق مثل فورتونا دوسلدورف وبادربورن واغسبورغ تلعب، وليست فرقاً ثقيلة فقط مثل بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند.
لا خيار أمام محبّي الكرة سوى متابعة الدوري الألماني لإنهاء معاناتهم في حال استكماله


واللافت أنه في الأمس القريب كان الدوري الألماني يُصنّف ربما في المستوى الثاني في الإعلام الناقل للبطولات الأوروبية الكبرى، وبينه الإعلام العربي، إذ كانت القناة المالكة للحقوق الحصرية قد تراجعت عن إقامة استوديو تحليلي للمباريات بشكل أسبوعي، كما جرت العادة، لأسبابٍ خاصة بها. لكن المفارقة أن القناة نفسها أرفقت عدّاً تنازلياً إلى جانب شعارها يشير إلى الأيام المتبقية لانطلاق بطولة ألمانيا. مشهدٌ لا نراه عادةً إلا في الأحداث والمناسبات الكبرى، مثل كأس العالم أو كأس أوروبا، و«كلاسيكو» برشلونة وريال مدريد، أو نهائي دوري الأبطال.
المهم أن من يريد أن يلتحق بقافلة عشاق الدوري الألماني عليه أن يعلم بأنه جاء متأخراً، لأن هناك أسباباً كثيرة جعلت من قسمٍ كبير من محبي الفوتبول يرون في الدوري الألماني مساحةً ممتعة لا يمكن العيش بعيداً منها، ما يعني أن الأسباب الواردة أدناه هي أكثر من كافية لتكون «البوندسليغا» على الأجندة الأسبوعية لهواة اللعبة الشعبية الأولى في العالم بغضّ النظر إذا انطلقت البطولات الأخرى أو لم تنطلق.

غزارة الأهداف
بعيداً من أن الدوري الألماني هو أفضل البطولات جماهيرية من حيث المشهد أو مستوى الحضور للمباريات الذي يبقى معدله مستقراً طوال الموسم، تُعدّ بلاد أبطال العالم 4 مرات المكان المثالي لإيجاد المتعة الحقيقية للكرة. والمتعة في عالم كرة القدم تُختصر بأمرٍ واحد: الأهداف.
هناك في ألمانيا يمكنك أن تتابع أي مباراة وتنتظر أهدافاً، والأرقام تشير إلى الكلام المذكور بوضوح، إذ قبل العطلة الشتوية السنوية كانت «البوندسليغا» الأفضل على صعيد نسبة الأهداف المسجّلة بين كل البطولات في أوروبا، وهي كانت الوحيدة أيضاً التي سجّلت نسبة تخطّت الثلاثة أهداف في المباراة الواحدة (3.04)، مقابل 2.85 هدفين في المباراة بالنسبة إلى إنكلترا، و2.62 لإيطاليا، و2.59 لفرنسا، و2.52 لإسبانيا.
نسبةٌ حافظت عليها الفرق الألمانية لا بل رفعتها إلى 3.25 أهداف في المباراة الواحدة قبل التوقّف وبعد مرور 25 مرحلة من عمر البطولة.

دوري عالمي
ولا يبدو مستغرباً على الإطلاق أن تصل نسبة الأهداف إلى هذا المستوى المرتفع، فالدوري الألماني يجمع كوكبة من الأسماء المعروفة في عالم اللعبة. صحيح أن الفرق الألمانية لا تملك نجوماً بحجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أو البرتغالي كريستيانو رونالدو، لكنها تضمّ مواهب محلية وأجنبية وجدت في «البوندسليغا» مساحةً مثالية لإثبات إمكاناتها وتقديم نفسها إلى الساحات الأغنى، ما يعني أن هذه المواهب تضع كل ما لديها على أرضية الميدان، وهو ما ينعكس إيجاباً على المستوى العام.
ويمكن أخذ الإنكليزي الشاب جايدون سانشو كمثالٍ صارخ على هذه المقولة، إذ أن هذا اللاعب الذي لم يكترث مانشستر سيتي لرحيله، أصبح النجم الأول في بوروسيا دورتموند وتفوق قيمته الـ 100 مليون يورو حالياً في السوق حيث تسعى خلفه أكبر فرق «البريميير ليغ».
كما أن عدداً آخر من اللاعبين وجد في الساحة الألمانية المكان المثالي لإعادة إطلاق مسيرته، وهو ما فعله الكولومبي خاميس رودريغيز في الموسم الماضي عندما انضم إلى بايرن ميونيخ، ومن ثم سار على خطاه النجم البرازيلي كوتينيو في الموسم الحالي.
وطبعاً الانفتاح على السوق العالمي هو نقطة قوة إضافية تعزّز من فكرة الاهتمام بـ «البوندسليغا» التي عندما انطلقت في عام 1963 لم تضم سوى 7 لاعبين أجانب من أصل 300 لاعب، بينما تبدو اليوم أشبه بقرية عالمية بعدما تخطت نسبة الأجانب في الدوري الـ 49 بالمئة من مجموع لاعبي الفرق الـ 18.


مصنع المواهب
وإذا كانت ألمانيا قد اشتهرت بالصناعة والتصدير إلى العالم، ففي ميادين الكرة هي أيضاً مشهورة بإنتاج المواهب المميزة التي تجذب أنظار أكبر الفرق في أوروبا، وهو أمر يعود إلى زمنٍ بعيد ويستمر حتى اليوم، ما يعطي أيضاً سبباً للاهتمام ومتابعة المباريات والتعرّف أكثر إلى وجوهٍ ينتظر أن تكون أبرز نجوم المستقبل.
الأمثلة كثيرة هنا، وتبدأ من بايرن الذي قدّم هذا الموسم نسخةً مطوّرة جداً من الكندي الفونسو ديفيس، وعرّف العالم على موهبة هجومية قادمة تتمثّل بالهولندي جوشوا زيركزي، والذي قد ينافس مستقبلاً النروجي إيرلينغ هالاند، وهو من دون شك الوجه الشاب الأكثر قيمةً بين أبناء جيله، وخصوصاً بعدما أثبت نفسه سريعاً إثر انتقاله إلى بوروسيا دورتموند، حيث أطل الأميركي جيوفاني راينا مبهراً المراقبين بمهاراته.
وبالحديث عن الأميركيين لا يمكن تجاهل قدرات لاعب لايبزغ تايلر أدامس الذي يمكنه اللعب في أكثر من مركز على أرض الملعب. وتطول اللائحة فعلاً حيث يضم كل فريقٍ أكثر من موهبة شابة استثنائية، والدليل باير ليفركوزن الذي أثبت مرة جديدة بأنه يملك مجموعة من الكشّافين الذين يعرفون كيفية اقتناص أصحاب المواهب، فها هو كاي هافرتز أصبح مطلباً لبايرن وأهم فرق أوروبا، ومثله الأرجنتيني إيزيكيال بالاسيوس رغم أنه لم يصل إلى المانيا منذ فترةٍ طويلة.
ويضاف إلى كل هذه الأسباب سبب أساسي لمتابعة «البوندسليغا» الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، وهو أن نار المنافسة على اللقب لم تنطفئ ولن تنطفئ حتى الأمتار الأخيرة من عمر البطولة، إذ أن فرقاً مثل دورتموند ولايبزغ وبوروسيا مونشنغلادباخ تمكّنت من تقليص الهوّة مع بايرن بطل المواسم السبعة الماضية، وبالتالي هي قادرة على سحب البساط من تحته والقبض على الصدارة حيث الفارق 4 نقاط بين الأول ووصيفه قبل استئناف النشاط.