خلال الأشهر الماضية دخل المنتخب اللبناني لكرة السلة مرحلة جديدة من البناء والتحضير. هي مرحلة تأسيسيّة أرادها الاتحاد اللبناني للعبة، لبناء جيل جديد قادر على إعادة السلة اللبنانية إلى سابق عهدها على الساحة الآسيويّة، إلّا أنّ هذه المرحلة اصطدمت بفيروس كورونا، وقبلها بالتطوّرات السياسيّة والأمنية في البلاد.منذ عام 2017 بدأ منتخب السلة يعيش مرحلة من التراجع، فهو حلّ خامساً في بطولة آسيا التي استضافها على أرضه (مجمع نهاد نوفل في ذوق مكايل)، ليفشل بعدها في التأهّل إلى نهائيات كأس العالم 2019 التي لُعبت في الصين. فشل مردّه، بحسب العديد من المراقبين، سوء التخطيط والإدارة من الاتّحادات المتعاقبة أولاً، وقلة مسؤولية بعض اللاعبين ثانياً، من دون نسيان الدعم المالي الضعيف من الدولة.
كان وقع عدم التأهّل إلى المونديال الصيني صادماً، خاصة أن المنتخب كان يحتاج إلى فوز واحد في ست مباريات، ولكن هذا لم يحصل، لتحجز الأردن بطاقة السفر إلى بكين، رغم توقّف النشاط السلّوي في عمّان لسنوات.
هذه الصدمة حرّكت المياه الراكدة في الأروقة اللبنانية، فاتّخذ الاتحاد اللبناني للعبة قرارات حاسمة، أبرزها تغيير الجهاز الفني واستبعاد لاعبين عن الفريق الأول، والاستعانة باللاعبين الشباب للتأسيس معهم لمنتخب المستقبل. صوّب البعض على قرار الاتحاد بعدم الإبقاء على المدرب السلوفيني سلوبودان سوبوتيتش وجهازه الفني، إلّا أن الاتّحاد حسم قراره وعيّن المدرب الوطني جو مجاعص على رأس الجهاز الفني للمنتخب الأول، يعاونه مدرب نادي هوبس جاد الحاج. المدرب الجديد ومساعده اختارا تشكيلة من اللاعبين الشباب ضمّت كلّاً من القائد إيلي رستم، وائل عرقجي، جوزيف الشرتوني، علي مزهر، علي منصور، كريم زينون، كريم عز الدين، جيرار حديديان، إيلي شمعون، عزيز عبد المسيح، علي حيدر والمجنس آتر ماجوك.
المنتخب الجديد أو المتجدّد، قدم مستوى مميّزاً في أول مباراتين له ضمن التصفيات المؤهّلة إلى بطولة آسيا 2021، ففاز على منتخب العراق (87 ـ 68) وبعدها على البحرين (116 ـ 73)، مقدّماً مستوى مميّزاً في لبنان، إلّا أن المشوار توقف بسبب كورونا. وقبل مرحلة التصفيات كان المنتخب اللبناني بشكله الجديد قد فاز ببطولة الملك عبد الله الودية في الأردن، متجاوزاً منتخبات غرب آسيا.
المنتخب الذي كان يتم بناؤه من أجل المشاركة الآسيوية لا شك أنه بات بحاجة للكثير من العمل بسبب فترة التوقف، فاللاعبون أصبحوا بعيدين عن المستوى المطلوب. حتى إن توقف الدوري أثّر وسيؤثر عليهم سلباً، وربما يلجأ البعض بعد الانتهاء من كورونا إلى التوقف عن اللعب، أو ترك البلاد والسفر للبحث عن فرصة احتراف في الخارج، نظراً إلى الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يعيشها لبنان، والتي يمكن أن تؤدّي إلى تعطل عجلة الرياضة لفترة طويلة.
الأكيد أن المنتخب الجديد سيعتمد بالدرجة الأولى على وائل عرقجي وعلي منصور وعلي حيدر كلاعب خبرة، فيما ستكون هناك أدوار أساسية لكلّ من علي مزهر وكريم زينون وإيلي شمعون. المنتخب بحاجة ماسة خلال الفترة المقبلة إلى لاعب من طراز كريم عز الدين القادر على التطور أكثر، وكذلك جوزيف الشرتوني، إلّا أنّ ما لا يجب تجاهله، هو إمكانية تأثير الظروف على هؤلاء اللاعبين، وبالتالي مغادرتهم البلاد وتعذّر مشاركتهم مع المنتخب. الدوري توقف هذا العام، والظروف الاقتصادية ربما تؤثر على الموسم المقبل، البلاد «تغلي» على وقع الأزمات السياسية والاقتصادية، وبالتالي لا شيء مضمون اليوم وغداً.
أزمة كورونا ستنتهي والمنتخب سيعود إلى التدريبات «باللحم الحي»، فلا أموال مؤمّنة نتيجة الظروف، ولا دوري يلوح في الأفق، ليتمكّن اللاعبون من التحضير واستعادة مستواهم. المنافسات ستعود في الفترة المقبلة، وباقي دول القارة ستتعافى بسرعة أكبر من لبنان، وبالتالي ستكون الخسائر أمامنا واضحة أكثر من أيّ وقت مضى.
يُقال إن المرض لا يقع فجأة في الجسد، بل هو يتسلل بهدوء، والتعب يأتي على فترات، قبل أن يفتك بالمرء، وهذا تحديداً ما يحصل في جسد كرة السلة اللبنانية. الأزمات توالت الواحدة تلو الأخرى، وجاءت في النهاية كورونا والأزمة الاقتصادية لتقضيا على ما تبقى من هذا الجسد، الذي وصل سابقاً إلى بطولة العالم وهزم كندا وفرنسا.
تعيش كرة السلة اللبنانية اليوم أسوأ فتراتها، فبعد المشاركة في بطولة العالم ثلاث مرات (2002 ـ 2006 ـ 2010) يجد لبنان نفسه اليوم غير قادر على تنظيم بطولة، نتيجة إفلاس عدد كبير من الأندية، وعدم وجود أيّ بارقة أمل للخروج من النفق المظلم. المرحلة صعبة، والمرحلة التأسيسية مطوّقة بالأزمات والعراقيل.
الاستحقاق المقبل سيكون مواجهة الهند ضمن تصفيات كأس آسيا، وحتى ذلك الوقت سيشهد البلد الكثير من التطورات ـ كما هو واضح بحسب مسار الأمور ـ وبالتالي فإنّ الأمور ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، والسلبيات أكثر بكثير من الإيجابيات.


نكسة الفئات العمرية


قبل البدء بمشروع تجهيز وتطوير المنتخب الأول لكرة السلة، وضع الاتحاد اللبناني لكرة السلة في السنوات القريبة الماضية خطّة متكاملة للنهوض بالفئات العمرية. أنجز الاتّحاد خطته، وأُقيم العديد من الدورات والبطولات للفئات العمرية في كرة السلة، وترك هذا الأمر انطباعاً إيجابياً جداً، حتى أنه أعاد الحياة للأندية الصغيرة ورياضة كرة السلة في المدارس والجامعات.
العمل على الفئات العمرية خاصة مع المدرب جاد الحاج (مساعد مدرب المنتخب الأول) عاد على البلاد بالعديد من الإنجازات، التي كان أهمها تحقيق ​منتخب ​لبنان​​ للناشئين (تحت 16 عاماً) لقب بطولة غرب آسيا في كرة السلة عام 2018 التي أقيمت في إيران. وحينها فاز لبنان في أربع مباريات على كلّ من الأردن وسوريا والعراق، وتجاوز في المباراة النهائية منتخب إيران القوي، وصاحب الأرض. وبرز خلال هذه الفترة مع لبنان اللاعبان كارل قزح ويوسف خياط بشكل كبير، إضافة إلى كلّ من جوزف أبو سمرا، أمين المعلوف، رودي الحاج موسى، براين منصور، عمر البقار، ألكسي شوشاني، مالك سليمان، ستيفن فرح، عبد الرحمن الصباغ وهشام ترباح.
ولكن كما الحال في الدرجة الأولى والمنتخب، تتأثر بطولة الفئات العمرية بالأوضاع الصعبة التي تمرّ بها البلاد، وهي ستتأثر أيضاً بالظروف الاقتصادية والسياسية، والتي ستدفع بالأهل إلى إبعاد أولادهم عن الرياضة، أو اتّخاذ قرار الهجرة أيضاً، وبالتالي خسارة السلة اللبنانية للعديد من المواهب الصاعدة.