في وقتٍ يبحث فيه لبنان خططاً متشعّبة للخروج من أزماته المتراكمة، يتطلّع المتعاطون بشؤون كرة القدم اللبنانية للبحث عن خطة طوارئ تبعد عن رياضتهم المفضّلة شبح التهميش ودخول النفق المظلم والتقهقر أكثر، بعدما أصيب النشاط عامةً بالشلل إثر أحداث الشارع في تشرين الأول الماضي، ومن ثم تفشّي وباء «كورونا» في البلاد.وبالتأكيد يبدو مستغرَباً كلام البعض حول ترقّبهم عودة الحياة الكروية إلى طبيعتها وكأن شيئاً لم يكن، ولو أن هذا الأمر أيضاً لا يمكن إسقاطه، لأن الكرة اللبنانية لم تصل إلى مستوى تنظيمي أو فنّي معقّد، بمعنى أنه لا توجد متطلبات كثيرة لإقامة المنافسات، إذ بدت الأوضاع تقليدية طوال عقدٍ من الزمن تقريباً، وحتى إن المشاكل نفسها أطلّت موسمياً، ما يعني أنه بنظر فئةٍ غير بسيطة من المجتمع الكروي يمكن دوران العجلة سريعاً ومن دون تعقيدات كبيرة. لكنّ استعراض الواقع الكروي العام وواقع البلاد يترك قلقاً فعلياً حول هذه المسألة، إذ لن يكون من السهل الحديث عن موسمٍ طبيعي، وفرقٍ بصورة طبيعية، أو بمستوى فني مشابه لذاك الذي عرفناه قبل التوقّف، وحتى لا يمكن القول إن كل الجوانب المحيطة بإقامة المباريات ستكون مؤّمنة.

أزمة مالية
نظرة عامة سريعة لا ترمي إلى التشاؤم بل إلى الإشارة إلى أن كرة القدم ستتأثر كغيرها من القطاعات في البلاد بفعل الأزمات التي هزّته ولا تزال. وهنا يمكن الحديث تحديداً عن الأزمة الاقتصادية التي تُعدّ الشغل الشاغل للجميع في الوقت الحالي. هذه الأزمة التي لا شكّ في أنها أصابت كلّ فردٍ في لبنان، وتالياً الأندية التي تعتمد بشكلٍ مباشر على مموّلين قد يضطر بعضهم إلى الانسحاب من الساحة أو الذهاب إلى اتّخاذ إجراءاتٍ قاسية تُفضي إلى تقليص حجم الدعم المالي، وهو الأمر الذي سيصيب اللاعبين مباشرةً حيث سيكونون أمام ثلاثة حلّول، الأول هو أن يرضوا بما سيُعطى لهم، والثاني البحث عن فرصةٍ خارجية، وهي نقطة لا يلتقي معها إلا قلّة من أصحاب المستوى العالي. أما الثالث فهو البحث عن لقمة العيش بعيداً من المستطيل الأخضر، وهي مسألة مرجّحة بالنسبة إلى قسمٍ كبير من اللاعبين.
ومما لا شك فيه أن الشحّ المالي في الأندية سيؤثّر على الدورة الكروية بشكلٍ عام، إذ إن انخفاض مستوى ميزانياتها سيجعلها توفّر مالها للتركيز على الفريق الأول، من دون إعارة الاهتمام الكامل أو بالشكل المطلوب لقطاع الناشئين على سبيل المثال، وهي مسألة حسّاسة جداً في ما يخصّ تطوّر اللعبة ومستقبل أنديتها ومنتخباتها.

اللاعب الأجنبي
وبما أن عنصر المال هو الأساس في قبول قدوم أي لاعبٍ أو مدربٍ أجنبي إلى لبنان، فإنّ مسألة أخرى هنا تطرح إشكالية كبيرة جعلت بعض مسؤولي الأندية يتحدثون في مجالس خاصة عن عدم جدوى إطلاق موسمٍ جديد في حال لم تكن العملة الصعبة مؤمّنة بين أيديهم، وذلك لكي يتمكّنوا من استقدام مدربين ولاعبين أجانب.
وهذه النقطة تحديداً مهمّة إلى حدٍّ بعيد، إذ لا يمكن إغفال أنه في ظلّ تراجع ظهور المواهب في الملاعب اللبنانية، شكّل اللاعبون الأجانب علامةً فارقة في البطولة حيث كانوا الحجر الأساس في رفع مستواها، وهو الأمر عينه لا بل الأهم الذي ينطبق على المدربين الذين يمكن القول إنهم يمثّلون حاجة ماسّة لكلّ الأندية بالنظر إلى الأفكار المتقدّمة التي بدا أنه يملكها عددٌ لا بأس به من المتعاقبين على تدريب الأندية اللبنانية في الأعوام الأخيرة.
يبدو مستغرَباً الكلام حول عودة الحياة الكروية إلى طبيعتها وكأنّ شيئاً لم يكن!


فعلاً هناك صعوبات عدة تعيق مبدئياً إطلاق النشاط الكروي في وقتٍ قريب، إذ لا بدّ أيضاً أن يقف الاتحاد اللبناني لكرة القدم أمام مرحلة إعادة حسابات في ما خصّ المصاريف التي سيتكبّدها في الفترة المقبلة، خصوصاً أن العائدات لا يمكن أن تكون بحجم تلك التي عرفها في الماضي القريب حيث كانت الصعوبات حاضرة أصلاً لإيجاد رعاة ومعلنين، وموارد إضافية لتغذية الخزينة المالية وصرف المال لحاجات المنتخبات الوطنية أو تطوير بعض الجوانب. وطبعاً سيضطر هنا للبحث في مستحقات كلّ أولئك المرتبطين بالمباريات مثل الحكام الذين لا يتقاضون أصلاً مبالغ كبيرة لقاء عملهم، وهو ما سيحتّم النظر في رفع مستوى أجورهم ليلتقي مع مستوى المجهود الذي يضعونه على الأرض في ظلّ ظروفٍ معيشية صعبة قد يضطر خلالها أحدهم إلى التركيز على أعماله الخاصة لضمان عيشٍ كريم، وهي المسألة التي لم تؤمّنها كرة القدم لأحد في لبنان.
وتُضاف إلى هذه النقاط المشكلة الأقدم والتي تتجدّد موسمياً، وهي أزمة الملاعب، التي تبدو مفصليّة في المرحلة المقبلة لإعادة المنافسات، إذ لا ضير من القول إنه في أحسن الأحوال لم تقم بلديات وإدارات مختلفة للملاعب بواجباتها سابقاً، ما ترك الاستادات في حالةٍ مزرية، وعرّض اللاعبين للإصابات، وشوّه المشهد أمام الرأي العام المتابع للعبة الذي وجد نفسه أمام ملاعب يابسة أو مدرجات لم تُنظّف أو مرافق لم تحظَ بالصيانة المطلوبة. وطبعاً كان عامل نقص الموارد المالية هو التبرير المشترك الذي ردّت به إدارات الملاعب على المنتقدين، فكيف ستكون الحال الآن وسط شحّ العملة في صناديق الدولة أو البلديات التي انصرف العدد الأكبر منها للصرف في التركيز على العمل في المجالَين الإنمائي والصحّي مع تفشّي وباء «كورونا» في البلاد؟ وكيف سيكون الحال مع ترك الملاعب لمصيرها من دون ريّ أو زرع عشبها والعناية به؟
الواقع أن مجرّد تخيّل صورة المشهد المرتقب في ملعب صيدا أو ملعب بيروت البلدي على سبيل المثال لا للحصر، يترك صدمةً حقيقية، وربما قناعةً بأن كرة القدم لن تعود قريباً، وإذا ما عادت لن تكون أبداً كسابق عهدها.