صورة مركّبة انتشرت بقوة على شبكة «الانترنت» في الأيام الأخيرة ويظهر فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونجم كرة القدم الفرنسي كيليان مبابي. ما ربط صورة الرجلين كان ختماً يحمل رقماً ضخماً وهو مليار جنيه استرليني. وهذا الرقم تحديداً، إضافةً إلى الصورتين، يعني أمراً واحداً: نيوكاسل يونايتد.هذا النادي الذي سيكون قريباً أغنى أندية العالم مع إتمام صفقة انتقال ملكيته إلى مجموعةٍ استثمارية سعودية، سيصيب رقماً قياسياً في حال صحّت الأنباء القائلة بأن المبلغ الذي سيدفعه السعوديون للمالك الحالي مايك أشلي يتراوح بين 260 و320 مليون جنيه.
هذا الرقم يعيدنا إلى صورة بن سلمان - مبابي، والرقم المرتبط بها، ما يعني أن السعوديين سيقتحمون أسواق الانتقالات بزخمٍ غير طبيعي، حيث سيهدفون إلى حصد النجاحات السريعة لاستثمارهم الضخم، والذي لم يكن أحدٌ يتصوّر أن يأتي يوم ويشهد الدوري الإنكليزي أو أي بطولة وطنية كبرى أخرى، دخول مستثمرٍ يمكنه مجاراة أو التفوّق على الإماراتيين الذين استثمروا في نادي مانشستر سيتي عبر منصور بن زايد، الذي حوّله إلى أحد أقوى أندية العالم.
من هنا، يبدأ الكلام حول سعي سعودي لنسخ التجربة الإماراتية في الكرة الإنكليزية، ولو أن آخر حلقات هذه التجربة كانت درامية بعدما أقرّ الاتحاد الأوروبي للعبة عقوبات قاسية بحق بطل إنكلترا، وأبعده لموسمين عن المسابقات الأوروبية بسبب مخالفته قواعد اللعب المالي النظيف.
لكن هذه المسألة لا تهمّ ربما، لأن المستثمرين القادمين يدركون تماماً إلى أين سيصلون، فهمّ سيحطون في مدينة شغوفة بكرة القدم (معدل حضور مباريات الفريق في ملعبه يصل إلى 48 ألف متفرج من أصل 268 ألفاً يقطنون في المدينة)، وفيها فريق شعبي وحيد لا كما هو الحال في مانشستر حيث الصراع بين السيتي واليونايتد. وهذه النقطة مهمة جداً لأن أبرز مشكلة عرفها النادي في فترة تولّي أشلي له، هي سخط الجمهور الذي لم يكن راضياً عن سياسة التعاقدات الضعيفة، والتي لا بدّ أن تسقط وتحلّ مكانها واحدة استثنائية، لأنه بكل بساطة فإن المالكين الجدد هم أغنى بفارق 300 مليار جنيه من مالكي السيتي!
لذا، فإن اسماءً جديدة ستطل من ذاك النادي الذي لم يفز يوماً بلقب «البريميير ليغ» (يحمل 4 ألقاب في دوري الدرجة الأولى يعود آخرها إلى عام 1927)، والذي تأسّس قبل 127 عاماً (9 كانون الأول 1892)، وهي مسألة يجب أن يعتاد عليها المنافسون مع قدوم ياسر الرميّان وفريق عمله، فالاسم الأخير هو للرئيس المحتمل لنيوكاسل الذي لطالما ضمّ أسماءً إنكليزية كبيرة، أمثال كيفن كيغان، بيتر بيردسلي، بول غاسكوين، أندي كول وألن شيرر.
قد يقع نيوكاسل في فخّ نظام اللعب المالي النظيف إذا ما صرف أموالاً طائلة من دون تغطية


لكن الأسماء الإنكليزية ليست هي الهدف، إذ هنا سيتم البحث عن تشكيل فريقٍ عالمي، وهو أمر اتضح من خلال طرح ثلاثة أسماء لتدريب الفريق، وهم المدرب السابق له الإسباني رافايل بينتيز، الأرجنتيني ماوريتسيو بوتشيتينو والإيطالي ماسيميليانو أليغري. وبمجرد ذكر أسماء هؤلاء يمكن معرفة التوجّه المقبل، إذ أن الثلاثة لطالما عملوا في الفرق التي أشرفوا عليها على ترصيع تشكيلاتهم بلاعبين مختلفي الجنسيات، وهي مسألة لن تُعتبر مشكلة في نيوكاسل في ظل الميزانية الضخمة التي سيرصدها الملّاك الجدد من أجل اللحاق بركب الكبار في أسرع وقتٍ ممكن. ولكن في المقابل أيضاً، يجب أن يأخذ الملاك الجدد موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» وهو الأمر الذي يمكن أن يصعّب من شروط انتقال اللاعبين غير الإنكليز إلى بريطانيا.
هذه النقطة تضاف إليها مشكلة أخرى ليست سهلة، فالحقيقة أن نظام اللعب المالي النظيف قد تم إقراره لسببٍ بسيط، وهو مواجهة «حيتان المال» في الكرة الأوروبية، والذين يمكنهم القضاء على المنافسة بحكم رصدهم ميزانيات مرعبة تخلق فوارق ضخمة بين الأندية، وتترك أنديتهم حتى في عجزٍ يضعها في خطر كون الأرباح لا تكون غالباً بحجم المصاريف.
وانطلاقاً من هذه النقطة، قد يكون من المنطق القول بأن «مشروع نيوكاسل البطل» قد يحتاج إلى وقتٍ ليس بقصير للنضوج. لكن قد يكون الحظ حالف هذا النادي كون مشروعه يبصر النور في هذه الفترة بالتحديد. وهذا معناه أن هناك فرصة لجمع لاعبين بارزين من دون تكبّد مبالغ كبيرة والوقوف بعدها في قفص الاتهام أمام «اليويفا». وفي نظرةٍ إلى السوق حيث رُشّحت مجموعة أسماء للانضمام إلى الـ «ماغبايز»، نجد أن ظروف هذه الأسماء تخدم النادي الإنكليزي في سعيه لتعزيز صفوفه. وعلى سبيل المثال كان المهاجم الأوروغوياني إدينسون كافاني أول الأسماء التي قيل إنها ستكون في طريقها إلى «سانت جيمس بارك» عند ضخّ المال السعودي. وهذه الصفقة تبدو سهلة إذا ما وافق اللاعب، إذ أن قيمته السوقية حالياً لا تتعدى الـ 20 مليون يورو مع اقتراب عقده من الانتهاء مع باريس سان جيرمان الفرنسي. أضف أن لاعباً مثل الفرنسي نبيل فقير لن يكلّف أكثر من 32 مليون يورو كونه يلعب في فريقٍ لن يحرز أي لقب ليرفع من قيمته في السوق أي ريال بيتيس الإسباني. وينسحب الأمر على مدافعٍ مثل السنغالي كاليدو كوليبالي الذي تسعى وراءه مجموعة من الأندية الكبرى في أوروبا، إذ مع رغبته في الرحيل عن نابولي الإيطالي، سيفتح الأخير له الباب ويسهّل الموضوع تفادياً لأوجاع الرأس، ما يعني أن سعر أحد أفضل مدافعي العالم لن يتجاوز الـ 50 مليون يورو. وكذلك، إذا ما أخذنا المهاجم الألماني تيمو فيرنر في الاعتبار، فإن سعره يبدو مقبولاً كونه يملك شرطاً جزائياً لفسخ عقده الذي يصل إلى 42 مليون يورو (قيل إنه اقترب من الانضمام إلى ليفربول في ظل اهتمام تشلسي به أيضاً).
أرقامٌ ليست كبيرة إطلاقاً بالنظر إلى القيمة الفنية للاعبين المذكورين، وأرقامٌ أيضاً قد تنخفض أكثر بالنظر إلى سير السوق في منحى انحداري بعد أزمة توقّف البطولات بسبب تفشي وباء «كورونا» في أوروبا. لذا هنا يمكن التكرار والقول بأن الظروف تخدم نيوكاسل بشكلٍ كبير، إذ أن ماله سيأتي من الخارج في وقتٍ تتخبّط فيه الأندية الإنكليزية الكبرى لتفادي المزيد من الخسائر المالية وإيجاد التوازن المطلوب في ميزانياتها.
باختصار، تاريخ نيوكاسل سيتغيّر قريباً، وسينسى جمهوره بسرعة تلك «الصفقة القياسية» التي لا تزال في باله عندما قام كيغان الذي كان يشرف على الفريق عام 1996 بالتعاقد مع شيرر مقابل 15 مليون جنيه استرليني فقط.



الدوري الإنكليزي يخسر سمعته
مع بدء الحديث عن اقتراب إنهاء صفقة انتقال نيوكاسل يونايتد إلى الملاك السعوديين، خرجت عدة منظمات حقوقية وإنسانية لتحذر رابطة الدوري الإنكليزي من خطورة إتمام الصفقة، أو الموافقة عليها. وتعتبر عدة جهات أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يريد تلميع صورته عبر الاستثمار في الرياضة العالمية. وقبل أيام حذّرت منظمة العفو الدولية رئيس الدوري الإنكليزي ريتشارد ماسترز من خسارة سمعته في حال وافق على الصفقة، وقالت في بيان لها: «طالما أن الأسئلة (المتعلقة بحقوق الإنسان في السعودية) لم تحل، فإن الدوري الإنكليزي الممتاز يغامر بخسارة سمعته من قبل هؤلاء الساعين إلى استخدام بريقه للتغطية على تصرفاتهم غير الأخلاقية». وأضافت: «إنها أكثر من مجرد عملية مالية، إنها مسألة سمعة تتعلق بهيبة الدوري الإنكليزي وشغف قاعدة أنصار نيوكاسل».