ثلاثة موارد ترتكز إليها أندية الصف الأول في كرة القدم الأوروبية لتبقى على قيد الحياة: العائدات من الحضور الجماهيري في الملاعب، والعائدات من حقوق النقل التلفزيوني وعقود الرعاية، والأرباح التي تفرزها متاجرها حول العالم.كل هذه الموارد لم تفرز أيّ أرباحٍ منذ توقف البطولات المحلية والقارية، لتقع الأندية في مأزقٍ حقيقي سيظهر تأثيره بعد فترة قصيرة، وتحديداً عند فتح باب سوق الانتقالات الصيفية التي كانت تَعِد بصفقات ضخمة.
الخسائر بمليارات الدولارات، ما يدفع الأندية إلى التفكير بخططٍ بديلة لتخطّي أزماتها والحفاظ على توازنٍ فنيّ مقبول يبقيها في موقع المنافسة على الألقاب، وهي حلول منطقية، وربما كانت مطلوبة منذ زمنٍ بعيد لتفادي الهزات المالية. هي أيضاً مسألة نادى بها مراراً كل أولئك الذين رفضوا الانجرار خلف الأرقام المخيفة التي دُفعت للتعاقد مع بعض النجوم، حيث رفعت أندية طليعية قليلة مثل بايرن ميونيخ الألماني راية محاربة التضخم الحاصل، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي للعبة إلى إقرار قانون اللعب المالي النظيف الذي بدا «الاحتيال» عليه حاضراً في حالات عدة.
المهم أن السوق الصيفية لن تشهد ضجيجاً على غرار ما كان عليه الأمر في سنوات خلت، بل إن أندية معروفة ستذهب إلى البناء على لاعبيها الشبان الذين أظهروا بوادر تطوّرٍ خلال الموسم القصير، وستمنحهم الفرصة لإثبات أنفسهم أكثر، وربما قد تذهب أيضاً إلى ترفيع مواهب صاعدة إلى الفريق الأوّل أكثر من أي وقتٍ مضى. كما أن صفقات تبادل اللاعبين ستنشط بشكلٍ كبير، وذلك على صورة عملية التبادل التي نشهدها موسمياً في دوري كرة السلة الأميركي الشمالي للمحترفين، وهي فكرة ستلقى قبولاً من غالبية الأندية لأنها ستوفّر على خزائنهما المالية، وستمنحها في نفس الوقت فرصةً لسدّ حاجاتها، وربما للتخلّص من لاعبين تشكّل رواتبهم الكبيرة عبئاً عليها.
انخفضت قيمة أندية كرة القدم في البطولات الوطنية الكبرى بنسبة 28%


إذاً الصيف المنتظَر قد يطول، فالاتحاد الدولي لكرة القدم مثلاً يعلم تماماً أن الأندية ستحتاج إلى وقتٍ ليس بقصير للملمة نفسها، وتحصيل أرباحٍ كانت بانتظارها. ولهذا السبب قد يكون أحد الحلول هو تمديد فترة الانتقالات أو إطلاقها تزامناً مع نهاية المواسم المجمّدة، ما يعني أن ارتباطاً زمنياً سيكون حتمياً بين السوق الصيفية وتلك الشتوية، وهو ما سيبدّل من الصورة المستقبلية لعمليات الانتقالات لناحية استراتيجيات الاستثمار.
والأندية أصلاً لم تكن في أحسن أحوالها على هذا الصعيد، والدليل أن السوق الأخيرة التي فُتحت مطلع السنة الجديدة، لم تحمل صفقات كبيرة، وذلك بعد انحسار المال في بعض البطولات الوطنية بحيث عاد المستثمرون لإجراء حسابات بعيدة من الجنون الذي أصابهم سابقاً من حيث التبذير، وخصوصاً بعدما لمسوا خسائر في المكاتب رغم نجاحهم في الملاعب، أمثال باريس سان جيرمان الفرنسي، مانشستر سيتي الإنكليزي، وقبلهما مواطنه تشلسي.
وفي هذا الإطار، يقول أكثر الأشخاص محاربةً لمسألة تضخّم أسعار اللاعبين، والذي اتُّهم مراراً بالبخل من قبل جمهور النادي الذي ترأسه سابقاً أي بايرن: «بعد هذه الأزمة، سيتغيّر عالم كرة القدم، وستهبط الأسعار في سوق الانتقالات، ولا أعتقد أنه في المواسم المقبلة سنرى أي صفقة قيمتها 100 مليون يورو».

هبوط قيمة اللاعبين... والأندية
هبوط قيمة الأندية التي ذكرتها دراسات مالية عدة، تعكس بشكلٍ صريح مسألة هبوط قيمة اللاعبين في السوق، إذ أن قسماً كبيراً من قيمة الأندية يختصر بقيمة لاعبيها، الذين تعاونوا مع الأندية لتخفيض رواتبهم أو الامتناع عن تقاضيها كما هو حال نادي روما الإيطالي، إذ يعرف اللاعبون أنّ تعثّر الأندية مالياً سيعني بكلّ بساطة عقوداً أكثر انخفاضاً في المستقبل.
وتفيد دراسة دقيقة للمركز الدولي للرياضة بأنّ قيمة أندية كرة القدم في البطولات الوطنية الكبرى، انخفضت بنسبة 28%، فخسرت حوالى 9 مليارات يورو، إذ على سبيل المثال فإن نادياً مثل مانشستر سيتي فقد 412 مليون يورو من قيمته رغم أن تشكيلته لا تزال تساوي 949 مليون يورو (بدلاً من 1361 مليوناً). أما ثنائي «الليغا» الإسبانية برشلونة وريال مدريد، فقد سجّل الأول خسارة في قيمته بلغت 366 مليون يورو، مقابل 350 مليوناً للثاني. بدوره، فإن ليفربول الإنكليزي عرف هبوطاً بنسبة 24.1% (353 مليوناً)، وباريس سان جيرمان خسر 302 مليون، وهي نسبة أكبر بكثير من غريمه مارسيليا الذي خسر 97 مليوناً، لكنها تشكّل 37.1% من قيمة تشكيلته التي لا يمكن مقارنتها طبعاً بتشكيلة فريق العاصمة الغني. وهذه النسبة قريبة من تلك التي عرفها إنتر ميلانو الإيطالي (35.7%)، الذي سجّل هبوطاً لقيمته بمجموعٍ بلغ 276 مليون يورو.

تقدير مغاير في السوق
إذاً كل الموضوع يتمحور حول اللاعبين، ما يعني أن تقييمهم في الفترة المقبلة سيتغيّر في السوق، حيث سيتم الأخذ في الاعتبار موضوع السن كما هي العادة، لكن أيضاً قدرة العطاء وحجم الإصابات، إذ أن الأندية تريد أن تبحث الآن عن لاعبين «مقاومين» يستطيعون أن يجلبوا إليها النجاحات السريعة بغية تعويض ما فاتها من أرباح.
كما سيتم النظر تحديداً في المدة المتبقية للاعب في عقده الحالي، ويمكن هنا أخذ الفرنسي بول بوغبا لاعب وسط مانشستر يونايتد الإنكليزي، كمثال على هذا الكلام. بوغبا الذي وصل إلى «أولد ترافورد» بهالة نجومية كبيرة ينتهي عقده مع فريق «الشياطين الحمر» في السنة المقبلة، وهو عانى خلال الموسم المتوقّف من سلسلة إصابات لم تسمح له بخوض أكثر من 7 مباريات في «البريمير ليغ». وفي خضم الحسابات المبنيّة على المقاربة الجديدة، ووسط الكلام عن رحيل مرتقب للنجم الفرنسي، يبدو صادماً أن قيمته السوقية الآن هي 35 مليون يورو فقط، وهو الذي انتقل إلى يونايتد عام 2016 مقابل 105 ملايين!
من هنا، فإن الأندية التي ستجد نفسها خاسرة أكثر هي تلك التي سبق أن أغلقت صفقات قبل اجتياح الوباء للعالم، على غرار تشلسي الذي وافق على دفع 40 مليون يورو للتعاقد مع النجم المغربي حكيم زياش من أياكس أمستردام الهولندي، وبراتب أسبوعي يصل إلى 113 ألف يورو. كما أن هناك أندية كثيرة مثل النادي اللندني المذكور ستشعر أنها «أكلت الضرب» عندما أدارت ظهرها للاعبين ستنتهي عقودهم في تموز المقبل ولا يمكن تعويضهم بمبالغ قليلة، أمثال الإسباني بدرو رودريغيز والبرازيلي ويليان في حالة «البلوز».